صفحة جزء
( حدثنا عمر بن إسماعيل بن مجالد ) بضم ميم فجيم ، ثم كسر لام ( ابن سعيد حدثني أبي ) أي : إسماعيل بن مجالد ( عن بيان ) بموحدة مفتوحة فتحتية ، وهو ابن بشر على ما في نسخة بكسر موحدة فسكون معجمة ، ( حدثني قيس بن حازم ) وفي نسخة عن قيس بن أبي حازم ( قال سمعت سعد بن أبي وقاص ) اسمه مالك بن أهيب بضم الهمزة ، وقيل وهيب ( يقول إني لأول رجل ) [ ص: 243 ] أهراق ) بفتح الهاء ، وفي نسخة بسكونها ، وتقدم تحقيقها ، وفي أخرى هراق بلا همز أي : أراق وصب ( دما في سبيل الله ) أي : من شجة شجها لمشرك ، كما رواه ابن إسحاق أن الصحابة كانوا في ابتداء الإسلام على غاية من الاستخفاء ، وكانوا يستخفون بصلاتهم في الشعاب ، فبينما هو في نفر منهم في بعض شعاب مكة ظهر عليهم مشركون وهم يصلون فعابوهم واشتد الشقاق بينهم فضرب سعد رجلا منهم بلحى بعير فشجه فكان أول دم أريق في الإسلام ( وإني لأول رجل ) أو من العرب ، كذا ذكره الحنفي ، والأولى أن يقال من هذه الأمة بالمعنى الأعم ، والله أعلم ، وهو لا ينافي ما ثبت في الصحيحين عنه أنه قال إني لأول العرب ( رمى بسهم في سبيل الله ) قال ميرك : ذكر أكثر أهل السير والمغازي أن أول غزوة غزاها النبي - صلى الله عليه وسلم - الأبواء على رأس اثني عشر شهرا من مقدمه المدينة يريد عيرا لقريش ، وروى ابن عائذ في مغازيه من حديث ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما بلغ الأبواء بعث عبيدة بن الحارث أي ابن المطلب وعقد له النبي - صلى الله عليه وسلم - أول لواء ، وهو أول لواء عقده في ستين رجلا ، أي : من المهاجرين ، فلقوا جمعا أي : كثيرا من قريش قيل أميرهم أبو سفيان فتراموا بالنبل ، فرمى سعد بن أبي وقاص بسهم ، فكان أول من رمى بسهم في سبيل الله ، كذا ذكره ميرك ، وخالفه ابن حجر حيث قال : فلم يقع بينهم قتال ، والأبواء بفتح الهمزة وسكون الموحدة وبالمد قرية ، كذا ذكره ، وفي القاموس أنه موضع ، وفي النهاية جبل بين مكة والمدينة وعنده بلد ينسب إليه انتهى .

ومن المعلوم أن من حفظ حجة على من لم يحفظ ، ولا يبعد أن يكون المراد نفي القتال المعروف من الجانبين ، فلا ينافي رمي واحد من جانب ( لقد رأيتني ) أي : أبصرت نفسي ( أغز وفي العصابة ) بكسر العين جماعة من العشرة إلى الأربعين وكذا العصبة ، ولا واحد لها من لفظها ( من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ما نأكل ) أي : شيئا ( الأوراق الشجر والحبلة ) بضم مهملة وسكون موحدة ثمرة السمرة يشبه اللوبيا ، وقيل ثمرة العضاة ، والعضاة كل شجر يعظم وله شوك ، والسمر نوع منه ، وهي منصوبة ، وفي نسخة مجرورة ( حتى أن أحدنا ليضع كما تضع الشاة والبعير ) يريد أن فضلاتنا لعدم الغذاء المعروف والطعام المألوف يشبه أرواثهما ليبسهما ، وهذا كان في غزوة الخبط سنة ثمان ، وأميرهم أبو عبيدة ، وكانوا ثلاثمائة ، زودهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جراب تمر ، فكان أبو عبيدة يعطيهم حفنة حفنة ، ثم قلل ذلك إلى أن صار يعطيهم تمرة تمرة ، ثم أكلوا الخبط حتى صار أشداقهم كأشداق الإبل ، ثم ألقى إليهم البحر سمكة عظيمة جدا فأكلوا منها شهرا أو نصفه ، وقد وضع ضلع منها فدخل تحته بعير براكبه ، واسمها العنبر ، وقيل كان ذلك ، أي : لما أشار إليه سعد ، في غزاة فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - لما في الصحيحين كنا نغزو مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما لنا طعام إلا الحبلة . . . الحديث ، فالمناسبة بين الحديث وعنوان الباب ظهرت على وجه الصواب مع أن في الرواية الأولى أيضا دلالة من حيث أن ضيق عيش أصحابه - صلى الله عليه وسلم - يدل على ضيق عيشه ؛ لأنه لو كان موسعا [ ص: 244 ] لوسع عليهم ، ولما اكتفى بجراب تمر في زاد جمع كثير من المحاربين ، ( وأصبحت ) أي : صارت ( بنو أسد ) وهم قبيلة ( يعزرونني في الدين ) وفي نسخة على الدين ، وهو بتشديد الزاي المكسورة من التعزير بمعنى التأديب ، وفي نسخة بحذف نون الرفع ، وفي أخرى بصيغة الواحدة الغائبة بناء على تأنيث القبيلة ، أي : يوبخونني بأني لا أحسن الصلاة ، ويعلمونني بآدابها مع سبقي في الإسلام ، ودوام ملازمتي له عليه السلام ( لقد خبت ) بكسر خاء وسكون موحدة ، فعل ماض من الخيبة بمعنى الخسران والحرمان ، أي : لقد حرمت من الخير وخسرت ( إذا ) أي : إن كنت محتاجا لتأديبهم وتعليمهم ( وضل ) أي : ضاع وبطل ( عملي ) وفي إحدى روايات البخاري بلفظ وضل سعيي كما في قوله تعالى الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وزاد البخاري في رواية بعد قوله وضل عملي ، وكانوا وشوا به إلى عمر قالوا : لا يحسن يصلي ، أي : نموا وشكوا إليه عنه حين كان أميرا بالبصرة ، والوشاية السعاية ، قال ميرك : وقع في صحيح مسلم تعزرني على الدين ، وفي رواية البخاري تعزرني على الإسلام ، قال الطيبي : عبر عن الصلاة بالإسلام والدين إيذانا بأنها عماد الدين ورأس الإسلام .

التالي السابق


الخدمات العلمية