صفحة جزء
الفصل السادس : توقير ، وبر أصحابه ، ومعرفة حقهم

ومن توقيره ، وبره - صلى الله عليه وسلم - توقير أصحابه ، وبرهم ، ومعرفة حقهم ، والاقتداء بهم ، وحسن الثناء عليهم ، والاستغفار لهم ، والإمساك عما شجر بينهم ، ومعاداة من عاداهم ، والإضراب عن أخبار المؤرخين ، وجهلة الرواة ، وضلال الشيعة ، والمبتدعين القادحة في أحد منهم ، وأن يلتمس لهم - فيما نقل عنهم من مثل ذلك فيما كان بينهم من الفتن - أحسن التأويلات ، ويخرج لهم أصوب المخارج ، إذ هم أهل ذلك ، ولا يذكر أحد منهم بسوء ، ولا يغمض عليه أمر ، بل تذكر حسناتهم ، وفضائلهم ، وحميد سيرتهم ، ويسكت عما وراء ذلك ، كما قال - صلى الله عليه وسلم - : إذا ذكر أصحابي فأمسكوا .

قال الله - تعالى - : محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم [ الفتح : 29 ] إلى آخر السورة .

وقال : والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار [ التوبة : 100 ] الآية .

وقال الله - تعالى - : لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة [ الفتح : 18 ] .

وقال : رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه [ الأحزاب : 23 ] الآية .

حدثنا القاضي أبو علي ، حدثنا أبو الحسين ، وأبو الفضل ، قالا : حدثنا أبو يعلى ، حدثنا أبو علي [ ص: 412 ] السنجي ، حدثنا محمد بن محبوب ، حدثنا الترمذي ، حدثنا الحسن بن الصباح ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن زائدة ، عن عبد الملك بن عمير ، عن ربعي بن حراش ، عن حذيفة - رضي الله عنه - ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اقتدوا باللذين من بعدي : أبي بكر ، وعمر .

وقال : أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم .

وعن أنس - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : مثل أصحابي كمثل الملح في الطعام ، لا يصلح الطعام إلا به .

وقال : الله الله في أصحابي ، لا تتخذوهم غرضا بعدي ، فمن أحبهم فبحبي أحبهم ، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ، ومن آذاهم فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ، ومن آذى الله يوشك أن يأخذه .

وقال : لا تسبوا أصحابي ، فلو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ، ولا نصيفه .

وقال : من سب أصحابي فعليه لعنة الله ، والملائكة ، والناس أجمعين ، لا يقبل الله منه صرفا ، ولا عدلا .

وقال : إذا ذكر أصحابي فأمسكوا .

وقال في حديث جابر : إن الله اختار أصحابي على جميع العالمين سوى النبيين ، والمرسلين ، واختار لي منهم أربعة : أبا [ ص: 413 ] بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعليا ، فجعلهم خير أصحابي ، وفي أصحابي كلهم خير .

وقال : من أحب عمر فقد أحبني ، ومن أبغض عمر فقد أبغضني .

وقال مالك بن أنس ، وغيره : من أبغض الصحابة ، وسبهم فليس له في فيء المسلمين حق ، ونزع بآية الحشر : والذين جاءوا من بعدهم [ الحشر : 10 ] الآية .

وقال : من غاظه أصحاب محمد فهو كافر ، قال الله - تعالى - : ليغيظ بهم الكفار [ الفتح : 29 ] .

وقال عبد الله بن المبارك : خصلتان من كانتا فيه نجا : الصدق ، وحب أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - .

قال أيوب السختياني : من أحب أبا بكر فقد أقام الدين ، ومن أحب عمر فقد أوضح السبيل ، ومن أحب عثمان فقد استضاء بنور الله ، ومن أحب عليا فقد أخذ بالعروة الوثقى ، ومن أحسن الثناء على أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - فقد برئ من النفاق ، ومن انتقص أحدا منهم فهو مبتدع مخالف للسنة ، والسلف الصالح ، وأخاف ألا يصعد له عمل إلى السماء حتى يحبهم جميعا ، ويكون قلبه سليما .

وفي حديث خالد بن سعيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : أيها الناس ، إني راض عن أبي [ ص: 414 ] بكر فاعرفوا له ذلك . أيها الناس ، إني راض عن عمر ، وعن علي ، وعن عثمان ، وطلحة ، والزبير ، وسعد ، وسعيد ، وعبد الرحمن بن عوف ، فاعرفوا لهم ذلك . أيها الناس ، إن الله غفر لأهل بدر ، والحديبية ، أيها الناس ، احفظوني في أصحابي ، وأصهاري ، وأختاني ، لا يطالبنكم أحد منهم بمظلمة ، فإنها مظلمة لا توهب في القيامة غدا .

وقال رجل للمعافى بن عمران : أين عمر بن عبد العزيز من معاوية ؟ فغضب ، وقال : لا يقاس بأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أحد ، معاوية صاحبه ، وصهره ، وكاتبه ، وأمينه على وحي الله .

وأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - بجنازة رجل فلم يصل عليه ، وقال : كان يبغض عثمان فأبغضه الله .

وقال - صلى الله عليه وسلم - في الأنصار : اعفوا عن مسيئهم ، واقبلوا من محسنهم .

وقال : احفظوني في أصحابي ، وأصهاري ، فإنه من حفظني فيهم حفظه الله في الدنيا ، والآخرة ، ومن لم يحفظني فيهم تخلى الله منه ، ومن تخلى الله منه يوشك أن يأخذه .

وعنه - صلى الله عليه وسلم - : من حفظني في أصحابي كنت له حافظا يوم القيامة .

وقال : من حفظني في أصحابي ، ورد علي الحوض ، ومن لم يحفظني في أصحابي لم يرد علي الحوض ، ولم يرني إلا من بعيد .

[ ص: 415 ] قال مالك - رحمه الله - : هذا النبي مؤدب الخلق الذي هدانا الله به ، وجعله رحمة للعالمين ، يخرج في جوف الليل إلىالبقيع فيدعو لهم ، ويستغفر كالمودع لهم ، وبذلك أمره الله ، وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بحبهم ، وموالاتهم ، ومعاداة من عاداهم .

وروي عن كعب : ليس أحد من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - إلا له شفاعة يوم القيامة .

وطلب من المغيرة بن نوفل أن يشفع له يوم القيامة .

قال سهل بن عبد الله التستري : لم يؤمن بالرسول من لم يوقر أصحابه ، ولم يعز أوامره .

التالي السابق


الخدمات العلمية