الفصل الثامن : في
الاختلاف في الصلاة على غير النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وسائر الأنبياء - عليهم السلام -
قال القاضي - وفقه الله - : عامة أهل العلم متفقون على جواز الصلاة على غير النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه لا تجوز الصلاة على غير النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وروي عنه : لا تنبغي الصلاة على أحد إلا النبيين .
وقال
سفيان : يكره أن يصلى إلا على نبي .
ووجدت بخط بعض شيوخي : مذهب
مالك أنه لا يجوز أن يصلى على أحد من الأنبياء سوى
محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وهذا غير معروف من مذهبه ، وقد قال
مالك في المبسوطة
ليحيى بن إسحاق : أكره الصلاة على غير الأنبياء ، وما ينبغي لنا أن نتعدى ما أمرنا به .
وقال
يحيى بن يحيى : لست آخذ بقوله ، ولا بأس بالصلاة على الأنبياء كلهم ، وعلى غيرهم ، واحتج بحديث
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، وبما جاء في حديث تعليم النبي - صلى الله عليه وسلم - الصلاة عليه ، وفيه : وعلى أزواجه ، وعلى آله .
وقد وجدت معلقا عن
nindex.php?page=showalam&ids=12108أبي عمران الفاسي : روى عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله عنهما - كراهة الصلاة على غير النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : وبه
[ ص: 442 ] نقول . ولم يكن يستعمل فيما مضى .
وقد روى
عبد الرزاق عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة - رضي الله عنه - ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
صلوا على أنبياء الله ورسله ، فإن الله بعثهم كما بعثني .
قالوا : والأسانيد عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس لينة ، والصلاة في لسان العرب بمعنى الترحم ، والدعاء ، وذلك على الإطلاق حتى يمنع منه حديث صحيح أو إجماع .
وقد قال - تعالى - :
هو الذي يصلي عليكم وملائكته [ الأحزاب : 43 ] الآية . .
وقال :
خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم [ التوبة : 103 ] الآية . .
وقال :
أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة [ البقرة : 157 ] .
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=989763اللهم صل على آل أبي أوفى وكان إذا أتاه قوم بصدقتهم ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=989764اللهم صل على آل فلان .
وفي حديث الصلاة :
nindex.php?page=hadith&LINKID=989765اللهم صل على محمد ، وعلى أزواجه ، وذريته .
وفي حديث آخر :
nindex.php?page=hadith&LINKID=989766وعلى آل محمد ، قيل : أتباعه ، وقيل : آل بيته ، وقيل : أمته ، وقيل : الأتباع ، والرهط ، والعشيرة ، وقيل : آل الرجل ولده ، وقيل : قومه ، وقيل : أهله الذين حرمت عليهم الصدقة .
وفي رواية
أنس :
سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - : من آل محمد ؟ قال : كل تقي .
ويجيء على مذهب
الحسن أن المراد بآل
محمد محمد نفسه ، فإنه كان يقول في صلاته على النبي : اللهم اجعل صلواتك وبركاتك على آل
محمد يريد نفسه ، لأنه كان لا يخل بالفرض ، ويأتي بالنفل ، لأن الفرض الذي أمر الله - تعالى - به هو الصلاة على
محمد نفسه .
وهذا مثل قوله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=989768لقد أوتي مزمارا من مزامير آل داود يريد من مزامير
داود .
[ ص: 443 ] وفي حديث
nindex.php?page=showalam&ids=187أبي حميد الساعدي في الصلاة :
nindex.php?page=hadith&LINKID=989769اللهم صل على محمد ، وأزواجه ، وذريته .
وفي حديث
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أنه كان يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وعلى
أبي بكر وعمر ذكره
مالك في الموطأ من رواية
يحيى الأندلسي .
والصحيح من رواية غيره : ويدعو
لأبي بكر ،
وعمر .
وروى
ابن وهب ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك : كنا ندعو لأصحابنا بالغيب ، فنقول : اللهم اجعل منك على فلان صلوات قوم أبرار الذين يقومون بالليل ، ويصومون بالنهار .
قال
القاضي : والذي ذهب إليه المحققون ، وأميل إليه ما قاله
مالك ،
وسفيان رحمهما الله ، وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، واختاره غير واحد من الفقهاء ، والمتكلمين أنه لا يصلى على غير الأنبياء عند ذكرهم ، بل هو شيء يختص به الأنبياء ، توقيرا لهم ، وتعزيزا ، كما يخص الله - تعالى - عند ذكره بالتنزيه ، والتقديس ، والتعظيم ، ولا يشاركه فيه غيره ، كذلك يجب تخصيص النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وسائر الأنبياء بالصلاة ، والتسليم ، ولا يشاركه فيه سواهم ، كما أمر الله به بقوله :
صلوا عليه وسلموا تسليما [ الأحزاب : 56 ] .
ويذكر من سواهم من الأئمة ، وغيرهم بالغفران والرضى ، كما قال - تعالى - :
يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان [ الحشر : 10 ] .
وقال :
والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم [ التوبة : 100 ] .
وأيضا فهو أمر لم يكن معروفا في الصدر الأول ، كما قال
أبو عمران وإنما أحدثه
الرافضة والمتشيعة في بعض الأئمة ، فشاركوهم عند الذكر لهم بالصلاة ، وساووهم بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك .
وأيضا فإن التشبيه بأهل البدع منهي عنه ، فتجب مخالفتهم فيما التزموه من ذلك .
وذكر الصلاة على الآل والأزواج مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بحكم التتبع ، والإضافة إليه لا على التخصيص .
قالوا : وصلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - على من صلى عليه مجراها مجرى الدعاء ، والمواجهة ليس فيها معنى التعظيم والتوقير .
قالوا : وقد قال - تعالى - :
لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا [ النور : 63 ] ، فكذلك يجب أن يكون الدعاء له مخالفا لدعاء الناس بعضهم لبعض .
وهذا اختيار الإمام
أبي المظفر الإسفرائيني من شيوخنا ، وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=13332أبو عمر بن عبد البر .