الفصل الثالث : هذا حكم من ثبت عليه ذلك بما يجب ثبوته من إقرار أو عدول لم يدفع فيهم
فأما من لم تتم الشهادة عليه بما شهد عليه الواحد أو اللفيف من الناس ، أو ثبت قوله لكن احتمل ، ولم يكن صريحا .
وكذلك إن تاب على القول بقبول توبته فهذا يدرأ عنه القتل ، ويتسلط عليه اجتهاد الإمام بقدر شهرة حاله ، وقوة الشهادة عليه وضعفها وكثرة السماع عنه ، وصورة حاله من التهمة في الدين ، والنبر بالسفه ، والمجون ، فمن قوي أمره أذاقه من شديد النكال من التضييق في السجن ، والشد في القيود إلى الغاية التي هي منتهى طاقته لما لا يمنعه القيام لضرورته ، ولا يقعده عن صلاته ، وهو حكم كل من وجب عليه القتل ، لكن وقف عن قتله لمعنى أوجبه ، وتربص به لإشكال وعائق اقتضاه أمره ، وحالات الشدة في نكاله تختلف بحسب اختلاف حاله .
وقد روى
الوليد عن
مالك ،
nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي أنها ردة ، فإذا تاب نكل .
ولمالك في العتبية وكتاب
محمد ، من رواية
أشهب :
إذا تاب المرتد فلا عقوبة عليه ، وقاله
nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون .
وأفتى
أبو عبد الله بن [ ص: 572 ] عتاب فيمن
سب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فشهد عليه شاهدان عدل أحدهما بالأدب الموجع والتنكيل والسجن الطويل حتى تظهر توبته .
وقال
القابسي في مثل هذا : ومن كان أقصى أمره القتل فعاق عائق أشكل في القتل لم ينبغ أن يطلق من السجن ، ويستطال سجنه ، ولو كان فيه من المدة ما عسى أن يقيم ويحمل عليه من القيد ما يطيق .
وقال في مثله ممن أشكل أمره : يشد في القيود شدا ، ويضيق عليه في السجن حتى ينظر فيما يجب عليه .
وقال في مسألة أخرى مثلها : ولا تهراق الدماء إلا بالأمر الواضح ، وفي الأدب بالسوط والسجن نكال للسفهاء ، ويعاقب عقوبة شديدة ، فأما إن لم يشهد عليه سوى شاهدين ، فأثبت من عداوتهما أو جرحتهما ما أسقطهما عنه ، ولم يسمع ذلك من غيرهما فأمره أخف لسقوط الحكم عنه ، وكأنه لم يشهد عليه ، إلا أن يكون مما لا يليق به ذلك ، ويكون الشاهدان من أهل التبريز فأسقطهما بعداوة ، فهو وإن لم ينفذ الحكم عليه بشهادتهما فلا يدفع الظن صدقهما ، وللحاكم هنا في تنكيله موضع اجتهاد . والله ولي الإرشاد .