الفصل السادس : حكم
ادعاء الإلهية أو الكذب على الله
هذا حكم من صرح بسبه ، وإضافة ما لا يليق بجلاله وإلهيته .
فأما مفتري الكذب عليه - تبارك وتعالى - بادعاء الإلهية أو الرسالة أو النافي أن يكون الله خالقه أو ربه ، أو قال : ليس رب ، أو المتكلم بما لا يعقل من ذلك في سكره أو غمرة جنونه فلا خلاف في كفر قائل ذلك ، ومدعيه مع سلامة عقله كما قدمنا ، لكنه تقبل توبته على المشهور ، وتنفعه إنابته ، وتنجيه من القتل فيئته ، لكنه لا يسلم من عظيم النكال ، ولا يرفه عن شديد العقاب ، ليكون ذلك زجرا لمثله عن قوله ، وله عن العودة لكفره أوجهله ، إلا من تكرر منه ذلك ، وعرف استهانته بما أتى به ، فهو دليل على سوء طويته وكذب توبته ، وصار كالزنديق الذي لا نأمن باطنه ، ولا نقبل رجوعه . وحكم السكران في ذلك حكم الصاحي .
وأما المجنون والمعتوه فما علم أنه
[ ص: 593 ] قاله من ذلك في حال غمرته وذهاب ميزه بالكلية فلا نظر فيه ، وما فعله من ذلك في حال ميزه ، وإن لم يكن معه عقله ، وسقط تكليفه أدب على ذلك لينزجر عنه ، كما يؤدب على قبائح الأفعال ، ويوالى أدبه على ذلك حتى يكف عنه ، كما تؤدب البهيمة على سوء الخلق حتى تراض .
وقد أحرق
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - من ادعى له الإلهية ، وقد قتل
nindex.php?page=showalam&ids=16491عبد الملك بن مروان الحارث المتنبي وصلبه ، وفعل ذلك غير واحد من الخلفاء والملوك بأشباههم .
وأجمع علماء وقتهم على صواب فعلهم ، والمخالف في ذلك من كفرهم كافر .
وأجمع فقهاء
بغداد أيام
المقتدر من المالكية وقاضي قضاتها
أبو عمر المالكي على قتل
الحلاج وصلبه ، لدعواه الإلهية والقول بالحلول ، وقوله : أنا الحق ، مع تمسكه في الظاهر بالشريعة ، ولم يقبلوا توبته .
وكذلك حكموا في
ابن أبي الفراقيد ، وكان على نحو مذهب
الحلاج بعد هذا أيام الراضي بالله ، وقاضي قضاة
بغداد يومئذ
أبو الحسين بن أبي عمر المالكي .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16991ابن عبد الحكم في المبسوط : من تنبأ قتل .
وقال
أبو حنيفة ، وأصحابه : من
جحد أن الله - تعالى - خالقه أو ربه ، أو
قال : ليس لي رب ، فهو مرتد .
وقال
ابن القاسم في كتاب
ابن حبيب ،
ومحمد في العتبية فيمن تنبأ يستتاب أسر ذلك أو أعلنه ، وهو كالمرتد .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون ، وغيره ، وقاله
أشهب في
يهودي تنبأ ، وادعى أنه رسول إلينا إن كان معلنا بذلك استتيب ، فإن تاب ، وإلا قتل .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12502أبو محمد بن أبي زيد فيمن لعن بارئه ، وادعى أن لسانه زل ، وإنما أراد لعن الشيطان يقتل بكفره ولا يقبل عذره .
وهذا على القول الآخر من أنه لا تقبل توبته .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14933أبو الحسن القابسي في سكران قال : أنا الله ، أنا الله ، إن تاب أدب ، فإن عاد إلى مثل قوله طولب مطالبة الزنديق ، لأن هذا كفر المتلاعبين .