الفصل السابع : حكم من
تعرض بساقط القول ، وسخيف اللفظ لله تعالى دون قصد
وأما من تكلم من سقط القول وسخف اللفظ ممن لم يضبط كلامه ، وأهمل لسانه بما
[ ص: 594 ] يقتضي الاستخفاف بعظمة ربه ، وجلالة مولاه ، أو تمثل في بعض الأشياء ببعض ما عظم الله من ملكوته ، أو نزع من الكلام لمخلوق بما لا يليق إلا في حق خالقه غير قاصد للكفر والاستخفاف ، ولا عامد للإلحاد ، فإن تكرر هذا منه ، وعرف به ، دل على تلاعبه بدينه واستخفافه بحرمة ربه وجهله بعظيم عزته وكبريائه ، وهذا كفر لا مرية فيه .
وكذلك إن كان ما أورده يوجب الاستخفاف والتنقص لربه .
وقد أفتى
ابن حبيب ،
nindex.php?page=showalam&ids=12323وأصبغ بن خليل من فقهاء
قرطبة بقتل
المعروف بابن أخي عجب ، وكان خرج يوما ، فأخذه المطر ، فقال : بدأ الخراز يرش جلوده .
وكان بعض الفقهاء بها :
أبو زيد صاحب الثمانية ،
وعبد الأعلى بن وهب ،
وأبان بن عيسى ، قد توقفوا عن سفك دمه ، وأشاروا إلى أنه عبث من القول يكفي فيه الأدب .
وأفتى بمثله القاضي حينئذ
موسى بن زياد ، فقال
ابن حبيب : دمه في عنقي ، أيشتم رب عبدناه ، ثم لا ننتصر له ، إنا إذا لعبيد سوء ، وما نحن له بعابدين وبكى ، ورفع المجلس إلى الأمير بها
عبد الرحمن بن الحكم الأموي .
وكانت
عجب عمة هذا المطلوب من حظاياه ، وأعلم باختلاف الفقهاء ، فخرج الإذن من عنده بالأخذ بقول
ابن حبيب وصاحبه ، وأمر بقتله ، فقتل ، وصلب بحضرة الفقيهين ، وعزل القاضي لتهمته بالمداهنة في هذه القصة ، ووبخ بقية الفقهاء وسبهم .
وأما من صدرت عنه من ذلك الهنة الواحدة والفلتة الشاردة ، ما لم تكن تنقصا وإزراء فيعاقب عليها ، ويؤدب بقدر مقتضاها وشنعة معناها وصورة حال قائلها وشرح سببها ومقارنها .
وقد سئل
ابن القاسم - رحمه الله - عن رجل نادى رجلا باسمه ، فأجابه : لبيك اللهم لبيك .
قال : إن كان جاهلا ، أو قاله على وجه سفه فلا شيء عليه .
قال : القاضي
أبو الفضل : وشرح قوله أنه لا قتل عليه ، والجاهل يزجر ويعلم ، والسفيه يؤدب ، ولو قالها على اعتقاد إنزاله منزلة ربه لكفر . هذا مقتضى قوله .
وقد أسرف كثير من سخفاء الشعراء ومتهميهم في هذا الباب ، واستخفوا عظيم هذه الحرمة ، فأتوا من ذلك بما ننزه كتابنا ولساننا ، وأقلامنا عن ذكره ، ولولا أنا قصدنا نص مسائل حكيناها ما ذكرنا شيئا مما يثقل ذكره علينا مما حكيناه في هذه الفصول .
فأما ما ورد في هذا من أهل الجهالة وأغاليط اللسان كقول بعض الأعراب :
رب العباد ما لنا وما لكا قد كنت تسقينا فما بدا لكا
أنزل علينا الغيث لا أبا لكا
[ ص: 595 ] في أشباه لهذا من كلام الجهال .
ومن لم يقومه ثقاف تأديب الشريعة والعلم في هذا الباب ، فقلما يصدر إلا من جاهل يجب تعليمه وزجره والإغلاظ له عن العودة إلى مثله .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14228أبو سليمان الخطابي : وهذا تهور من القول ، والله منزه عن هذه الأمور .
وقد روينا عن
nindex.php?page=showalam&ids=16735عون بن عبد الله أنه قال : ليعظم أحدكم ربه أن يذكر اسمه في كل شيء حتى يقول : أخزى الله الكلب ، وفعل به كذا وكذا .
قال : وكان بعض من أدركنا من مشايخنا قلما يذكر اسم الله - تعالى - إلا فيما يتصل بطاعته . وكان يقول للإنسان : جزيت خيرا . وقلما يقول : جزاك الله خيرا ، إعظاما لاسمه - تعالى - أن يمتهن في غير قربة .
وحدثنا الثقة أن الإمام
أبا بكر الشاشي كان يعيب على أهل الكلام كثرة خوضهم فيه - تعالى - وفي ذكر صفاته ، إجلالا لاسمه - تعالى - ، ويقول : هؤلاء يتمندلون بالله عز وجل .
وينزل الكلام في هذا الباب تنزيله في باب ساب النبي - صلى الله عليه وسلم - على الوجوه التي فصلناها . والله الموفق .