[ ص: 166 ] الفصل السابع : حالته في الضروريات - صلى الله عليه وسلم -
وأما ما تدعو ضرورة الحياة إليه مما فصلناه فعلى ثلاثة ضروب : ضرب الفضل في قلته ، وضرب الفضل في كثرته ، وضرب تختلف الأحوال فيه . فأما ما التمدح ، والكمال بقلته اتفاقا ، وعلى كل حال ، عادة ، وشريعة ، كالغذاء ، والنوم ، ولم تزل العرب ، والحكماء تتمادح بقلتهما ، وتذم بكثرتهما ، لأن كثرة الأكل ، والشرب دليل على النهم ، والحرص ، والشره ، وغلبة الشهوة مسبب لمضار الدنيا ، والآخرة ، جالب لأدواء الجسد ، وخثارة النفس ، وامتلاء الدماغ ، وقلته دليل على القناعة ، وملك النفس ، وقمع الشهوة مسبب للصحة ، وصفاء الخاطر ، وحدة الذهن ، كما أن كثرة النوم دليل على الفسولة ، والضعف ، وعدم الذكاء ، والفطنة ، مسبب للكسل ، وعادة العجز ، وتضييع العمر في غير نفع ، وقساوة القلب ، وغفلته ، وموته ، والشاهد على هذا ما يعلم ضرورة ، ويوجد مشاهدة ، وينقل متواترا من كلام الأمم المتقدمة ، والحكماء السابقين ، وأشعار العرب ، وأخبارها ، وصحيح الحديث ، وآثار من سلف وخلف ، مما لا يحتاج إلى الاستشهاد عليه اختصارا ، واقتصارا على اشتهار العلم به .
وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أخذ من هذين الفنين بالأقل . هذا ما لا يدفع من سيرته ، وهو الذي أمر به ، وحض عليه ، لا سيما بارتباط أحدهما بالآخر .
[ حدثنا
أبو علي الصدفي الحافظ بقراءتي عليه ، قال : حدثنا
أبو الفضل الأصبهاني ، قال : حدثنا
أبو نعيم الحافظ ، قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=14687سليمان بن أحمد ، قال : حدثنا
أبو بكر بن سهل ، قال : حدثنا
عبد الله بن صالح ، حدثني
معاوية بن صالح أن
يحيى بن جابر حدثه ] عن
nindex.php?page=showalam&ids=241المقدام بن معد يكرب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=989162ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه ، حسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه ، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه ، وثلث لشرابه ، وثلث لنفسه ولأن كثرة النوم من كثرة الأكل
[ ص: 167 ] والشرب . قال
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري : بقلة الطعام يملك سهر الليل . وقال بعض السلف : لا تأكلوا كثيرا فتشربوا كثيرا ، فترقدوا كثيرا ، فتخسروا كثيرا ، وقد روي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه
كان أحب الطعام إليه ما كان على ضفف ، أي كثرة الأيدي ، وعن
عائشة - رضي الله عنها - :
لم يمتلئ جوف النبي - صلى الله عليه وسلم - شبعا قط ، وأنه كان في أهله لا يسألهم طعاما ، ولا يتشهاه ، إن أطعموه أكل ، وما أطعموه قبل ، وما سقوه شرب ، ولا يعترض على هذا بحديث
nindex.php?page=showalam&ids=216بريرة ، وقوله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=989165ألم أر البرمة فيها لحم . إذ لعل سبب سؤاله ظنه - صلى الله عليه وسلم - اعتقادهم أنه لا يحل له ، فأراد بيان سنته ، إذ رآهم لم يقدموه إليه ، مع علمه أنهم لا يستأثرون عليه به ، فصدق عليهم ظنه ، وبين لهم ما جهلوه من أمره بقوله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=989166هو لها صدقة ، ولنا هدية ، وفي حكمة لقمان : يا بني ، إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة ، وخرست الحكمة ، وقعدت الأعضاء عن العبادة . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون : لا يصلح العلم لمن يأكل حتى يشبع .
وفي صحيح الحديث قوله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=989167أما أنا فلا آكل متكئا . والاتكاء : هو التمكن للأكل ، والتقعدد في الجلوس له كالمتربع ، وشبهه من تمكن الجلسات التي يعتمد فيها الجالس على ما تحته ، والجالس على هذه الهيئة يستدعي الأكل ، ويستكثر منه ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - إنما كان جلوسه للأكل جلوس المستوفز مقعيا ، ويقول :
إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد ، وأجلس كما يجلس العبد . [ ص: 168 ] وليس معنى الحديث في الاتكاء الميل على شق عند المحققين . وكذلك نومه - صلى الله عليه وسلم - كان قليلا ، شهدت بذلك الآثار الصحيحة ، ومع ذلك فقد قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=989169إن عيني تنامان ولا ينام قلبي . وكان نومه على جانبه الأيمن استظهارا على قلة النوم ، لأنه على الجانب الأيسر أهنأ ، لهدو القلب ، وما يتعلق به من الأعضاء الباطنية حينئذ ، لميلها إلى الجانب الأيسر ، فيستدعي ذلك الاستثقال فيه ، والطول ، وإذا نام النائم على الأيمن تعلق القلب ، وقلق ، فأسرع الإفاقة ، ولم يغمره الاستغراق .