صفحة جزء
الفصل العشرون : عدله ، وأمانته - صلى الله عليه وسلم -

وأما عدله - صلى الله عليه وسلم - ، وأمانته ، وعفته ، وصدق لهجته فكان - صلى الله عليه وسلم - آمن الناس ، وأعدل الناس ، وأعف الناس ، وأصدقهم لهجة منذ كان اعترف له بذلك محادوه ، وعداه . وكان يسمى قبل نبوته الأمين .

قال ابن إسحاق : كان يسمى الأمين بما جمع الله فيه من الأخلاق الصالحة .

وقال - تعالى - : مطاع ثم أمين [ التكوير : 21 ] : أكثر المفسرين على أنه محمد - صلى الله عليه وسلم - .

ولما اختلفت قريش ، وتحازبت عند بناء الكعبة فيمن يضع الحجر حكموا أول داخل عليهم ، فإذا النبي - صلى الله عليه وسلم - داخل ، وذلك قبل نبوته ، فقالوا : هذا محمد الأمين قد رضينا به .

وعن الربيع بن خثيم : كان يتحاكم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الجاهلية قبل الإسلام .

وقال - صلى الله عليه وسلم - : والله إني لأمين في السماء أمين في الأرض
.

[ حدثنا أبو علي الصدفي الحافظ بقراءتي عليه ، حدثنا أبو الفضل بن خيرون ، حدثنا أبو يعلى بن زوج الحرة ، حدثنا أبو علي السنجي ، حدثنا محمد بن محبوب المروزي ، حدثنا أبو عيسى الحافظ ، حدثنا أبو كريب ، حدثنا معاوية بن هشام ، عن سفيان عن أبي إسحاق ، عن ناجية بن كعب ] ، عن علي رضي الله عنه أن أبا جهل قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - : إنا لا نكذبك ، ولكن نكذب بما جئت به ، فأنزل [ ص: 195 ] الله - تعالى - : فإنهم لا يكذبونك [ الأنعام : 33 ] الآية . وروى غيره : لا نكذبك ، وما أنت فينا بمكذب .

وقيل : إن الأخنس بن شريق لقي أبا جهل يوم بدر ، فقال له : يا أبا الحكم ليس هنا غيري ، وغيرك يسمع كلامنا ، تخبرني عن محمد ، صادق هو أو كاذب ؟ فقال أبو جهل : والله إن محمدا لصادق ، وما كذب محمد قط .

وسأل هرقل عنه أبا سفيان فقال : هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ قال : لا .

وقال النضر بن الحارث لقريش : قد كان محمد فيكم غلاما حدثا أرضاكم فيكم ، وأصدقكم حديثا ، وأعظمكم أمانة حتى إذا رأيتم في صدغيه الشيب ، وجاءكم بما جاءكم به قلتم : ساحر ! لا والله ، ما هو بساحر .

وفي الحديث عنه : ما لمست يده امرأة قط لا يملك رقها .

وفي حديث علي في وصفه - صلى الله عليه وسلم - : أصدق الناس لهجة .

وقال في الصحيح : ويحك ! فمن يعدل إن لم أعدل ، خبت ، وخسرت إن لم أعدل .

قالت عائشة رضي الله عنها : ما [ ص: 196 ] خير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما ، فإن كان إثما كان أبعد الناس منه .

قال أبو العباس المبرد : قسم كسرى أيامه ، فقال : يصلح يوم الريح للنوم ، ويوم الغيم للصيد ، ويوم المطر للشرب ، واللهو ، ويوم الشمس للحوائج .

قال ابن خالويه : ما كان أعرفهم بسياسة دنياهم ، يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون [ الروم : 7 ] ولكن نبينا - صلى الله عليه وسلم - جزأ نهاره ثلاثة أجزاء ، جزءا لله ، وجزءا لأهله ، وجزءا لنفسه ثم جزأ جزأه بينه ، وبين الناس ، فكان يستعين بالخاصة على العامة ، ويقول : أبلغوا حاجة من لا يستطيع إبلاغي ، فإنه من أبلغ حاجة من لا يستطيع إبلاغها أمنه الله يوم الفزع الأكبر .

وعن الحسن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يأخذ أحدا بقرف أحد ، ولا يصدق أحدا على أحد .

وذكر أبو جعفر الطبري عن علي عنه - صلى الله عليه وسلم - : ما هممت بشيء مما كان أهل الجاهلية يعملون به غير مرتين ، كل ذلك يحول الله بيني ، وبين ما أريد من ذلك ، ثم ما هممت بسوء حتى أكرمني الله برسالته ، قلت ليلة لغلام كان يرعى معي : لو أبصرت لي غنمي حتى أدخل مكة فأسمر بها كما يسمر الشباب . فخرجت كذلك حتى جئت أول دار من مكة سمعت عزفا بالدفوف ، والمزامير لعرس بعضهم . فجلست أنظر ، فضرب على أذني فنمت ، فما [ ص: 197 ] أيقظني إلا مس الشمس ، فرجعت ، ولم أقض شيئا . ثم عراني مرة أخرى مثل ذلك ، ثم لم أهم بعد ذلك بسوء .

التالي السابق


الخدمات العلمية