الفصل الثالث : حقيقة الإسراء
ثم
اختلف السلف ، والعلماء : هل كان إسراؤه بروحه أو جسده ؟ على ثلاث مقالات : قد
[ ص: 230 ] ذهبت طائفة إلى أنه إسراء بالروح ، وأنه رؤيا منام ، مع اتفاقهم أن
رؤيا الأنبياء حق ووحي ، وإلى هذا ذهب
معاوية ، وحكي عن
الحسن ، والمشهور عنه خلافه ، وإليه أشار
محمد بن إسحاق ، وحجتهم قوله - تعالى - :
وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس .
وما حكوا عن
عائشة - رضي الله عنها - : ما فقدت جسد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وقوله :
بينا أنا نائم .
وقول
أنس : وهو نائم في المسجد الحرام . . . وذكر القصة ، ثم قال في آخرها :
فاستيقظت ، وأنا بالمسجد الحرام .
وذهب معظم السلف ، والمسلمين إلى أنه إسراء بالجسد ، وفي اليقظة ، وهذا هو الحق ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
وجابر ،
وأنس ،
وحذيفة ،
وعمر ،
nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة ،
ومالك بن صعصعة ،
وأبي حبة البدري ،
nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود ،
والضحاك ،
nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ،
وقتادة ،
[ ص: 231 ] nindex.php?page=showalam&ids=15990وابن المسيب ،
nindex.php?page=showalam&ids=13283وابن شهاب ،
وابن زيد ،
والحسن ،
وإبراهيم ،
ومسروق ،
ومجاهد ،
وعكرمة ،
nindex.php?page=showalam&ids=13036وابن جريج ، وهو دليل قول
عائشة ، وهو قول أكثر المتأخرين من الفقهاء ، والمحدثين ، والمتكلمين ، والمفسرين .
وقالت طائفة : كان الإسراء بالجسد يقظة من
المسجد الحرام إلى
بيت المقدس ، وإلى السماء بالروح ، واحتجوا بقوله - تعالى - :
سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى [ الإسراء : 1 ] ، فجعل إلى
المسجد الأقصى غاية الإسراء الذي وقع التعجب فيه بعظيم القدرة والتمدح بتشريف النبي
محمد - صلى الله عليه وسلم - به ، وإظهار الكرامة له بالإسراء إليه .
قال هؤلاء : ولو كان الإسراء بجسده إلى زائد على
المسجد الأقصى لذكره ، فيكون أبلغ في المدح .
ثم اختلفت هذه الفرقتان : هل صلى
ببيت المقدس أم لا ؟
ففي حديث
أنس ، وغيره ما تقدم من صلاته فيه . وأنكر ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=21حذيفة بن اليمان وقال : والله ما زالا عن ظهر البراق حتى رجعا .
قال القاضي وفقه الله : والحق من هذا والصحيح إن شاء الله إنه إسراء بالجسد والروح في القصة كلها ، وعليه تدل الآية ، وصحيح الأخبار والاعتبار ، ولا يعدل عن الظاهر ، والحقيقة إلى التأويل إلا عند الاستحالة ، وليس في الإسراء بجسده ، وحال يقظته استحالة ، إذ لو كان مناما لقال : بروح عبده ، ولم يقل : بعبده . وقوله - تعالى - :
ما زاغ البصر وما طغى [ النجم : 17 ] ، ولو كان مناما لما كانت فيه آية ، ولا معجزة ، ولما استبعده الكفار ، ولا كذبوه فيه ، ولا ارتد به ضعفاء من أسلم ، وافتتنوا به ، إذ مثل هذا من المنامات لا ينكر ، بل لم يكن منهم ذلك إلا وقد علموا أن خبره إنما كان عن جسمه ، وحال يقظته ، إلى ما ذكر في الحديث من ذكر صلاته بالأنبياء
ببيت المقدس في رواية
أنس أو في السماء على ما روى غيره ، وذكر مجيء
جبريل له بالبراق
[ ص: 232 ] وخبر المعراج ، واستفتاح السماء ، فيقال : من معك ؟ فيقول :
محمد ، ولقائه الأنبياء فيها ، وخبرهم معه ، وترحيبهم به ، وشأنه في فرض الصلاة ، ومراجعته مع
موسى في ذلك .
وفي بعض هذه الأخبار :
nindex.php?page=hadith&LINKID=989394فأخذ يعني جبريل بيدي فعرج بي إلى السماء . . . إلى قوله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=989376ثم عرج بي حتى ظهرت بمستوى أسمع فيه صريف الأقلام وأنه وصل إلى سدرة المنتهى ، وأنه دخل الجنة ، ورأى فيها ما ذكره .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : هي رؤيا عين رآها النبي - صلى الله عليه وسلم - لا رؤيا منام .
وعن
الحسن فيه :
بينا أنا نائم في الحجر جاءني جبريل فهمزني بعقبه ، فقمت فجلست فلم أر شيئا ، فعدت لمضجعي ذكر ذلك ثلاثا ، فقال في الثالثة : فأخذ بعضدي فجرني إلى باب المسجد فإذا بدابة . وذكر خبر البراق .
وعن
أم هانئ : ما أسري برسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا وهو في بيتي تلك الليلة صلى العشاء الآخرة ، ونام بيننا ، فلما كان قبيل الفجر أهبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فلما صلى الصبح ، وصلينا قال :
يا أم هانئ ، لقد صليت معكم العشاء الآخرة كما رأيت بهذا الوادي ، ثم جئت بيت المقدس فصليت فيه ، ثم صليت الغداة معكم الآن كما ترون .
وهذا بين في أنه ( بجسمه ) .
وعن
أبي بكر من رواية
nindex.php?page=showalam&ids=75شداد بن أوس عنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة أسري به :
طلبتك يا رسول الله البارحة في مكانك فلم أجدك . فأجابه : إن جبريل - عليه السلام - حملني إلى المسجد الأقصى .
وعن
عمر - رضي الله عنه - ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
صليت ليلة أسري بي في مقدم المسجد ، ثم [ ص: 233 ] دخلت الصخرة فإذا بملك قائم معه آنية ثلاث . . وذكر الحديث .
وهذه التصريحات ظاهرة غير مستحيلة ، فتحمل على ظاهرها .
وعن
أبي ذر ، عنه - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=989399فرج سقف بيتي ، وأنا بمكة ، فنزل جبريل ، فشرح صدري ، ثم غسله بماء زمزم . . . إلى آخر القصة ، ثم أخذ بيدي ، فعرج بي . وعن
أنس :
nindex.php?page=hadith&LINKID=989400أتيت فانطلق بي إلى زمزم ، فشرح عن صدري .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة - رضي الله عنه - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=989401لقد رأيتني في الحجر ، وقريش تسألني عن مسراي ، فسألتني عن أشياء لم أثبتها ، فكربت كربا ما كربت مثله قط ، فرفعه الله لي أنظر إليه .
ونحوه عن
جابر .
وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في حديث الإسراء عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
ثم رجعت إلى خديجة ، وما تحولت عن جانبها .