[ ص: 394 ] [ ص: 395 ] [ ص: 396 ] [ ص: 397 ] الباب الثالث :
في
تعظيم أمره ، ووجوب توقيره ، وبره
الفصل الأول : ما ورد في ذلك
قال الله - تعالى - :
إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه [ الفتح : 8 - 9 ] .
وقال :
ياأيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله [ الحجرات : 1 ] .
و :
ياأيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي [ الحجرات : 2 ] الثلاث الآيات ، وقال تعالى :
لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا [ النور : 63 ] .
فأوجب الله - تعالى - تعزيره ، وتوقيره ، وألزم إكرامه ، وتعظيمه .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : تعزروه : تجلوه . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15153المبرد : تعزروه : تبالغوا في تعظيمه .
وقال
الأخفش : تنصرونه . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري : تعينونه .
وقرئ : تعززوه بزاءين من العز .
ونهي عن التقدم بين يديه بالقول ، وسوء الأدب بسبقه بالكلام ، على قول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، وغيره ، وهو اختيار
ثعلب .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=16065سهل بن عبد الله : لا تقولوا قبل أن يقول ، وإذا قال فاستمعوا له ، وأنصتوا .
ونهوا عن التقدم ، والتعجل بقضاء أمر قبل قضائه فيه ، وأن يفتاتوا بشيء في ذلك من قتال ، أو غيره من أمر دينهم ، ولا يسبقوه به .
وإلى هذا يرجع قول
الحسين ،
ومجاهد ،
والضحاك ،
والسدي ،
nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري .
ثم وعظهم ، وحذرهم مخالفة ذلك ، فقال :
واتقوا الله إن الله سميع عليم [ الحجرات : 1 ] .
قال
الماوردي : اتقوه ، يعني في التقدم .
وقال
السلمي : اتقوا الله في إهمال حقه ، وتضييع حرمته ، إنه سميع لقولكم ، عليم بفعلكم .
ثم نهاهم عن رفع الصوت فوق صوته ، والجهر له بالقول كما يجهر بعضهم لبعض ، ويرفع صوته .
وقيل : كما ينادي بعضهم بعضا باسمه .
قال
أبو محمد مكي : أي لا تسابقوه بالكلام ، وتغلظوا له بالخطاب ، ولا تنادوه باسمه نداء بعضكم
[ ص: 398 ] لبعض ، ولكن عظموه ، ووقروه ، ونادوه بأشرف ما يحب أن ينادى به : يا رسول الله ، يا نبي الله .
وهذا كقوله في الآية الأخرى :
لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا [ النور : 63 ] على أحد التأويلين .
وقال غيره : لا تخاطبوه إلا مستفهمين .
ثم خوفهم الله - تعالى - بحبط أعمالهم إن هم فعلوا ذلك ، وحذرهم منه .
وقيل : نزلت الآية في وفد
بني تميم ، وقيل : في غيرهم ، أتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فنادوه : يا
محمد ، يا
محمد ، اخرج إلينا . فذمهم الله - تعالى - بالجهل ، ووصفهم بأن أكثرهم لا يعقلون .
وقيل : نزلت الآية الأولى في محاورة كانت بين
أبي بكر ،
وعمر بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - ، واختلاف جرى بينهما ، حتى ارتفعت أصواتهما .
وقيل : نزلت في
nindex.php?page=showalam&ids=215ثابت بن قيس بن شماس خطيب النبي - صلى الله عليه وسلم - في مفاخرة
بني تميم ، وكان في أذنيه صمم ، فكان يرفع صوته ، فلما نزلت هذه الآية أقام في منزله ، وخشي أن يكون حبط عمله ، ثم أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا نبي الله ، لقد خشيت أن أكون هلكت ، نهانا الله أن نجهر بالقول ، وأنا امرؤ جهير الصوت .
فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - :
يا ثابت ، أما ترضى أن تعيش حميدا ، وتقتل شهيدا ، وتدخل الجنة ؟ ! فقتل يوم اليمامة .
وروي أن
أبا بكر لما نزلت هذه الآية قال : والله يا رسول الله ، لا أكلمك بعدها إلا كأخي السرار .
وأن
عمر كان إذا حدثه حدثه كأخي السرار ، ما كان يسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد هذه الآية حتى يستفهمه ، فأنزل الله - تعالى - فيهم :
إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم [ الحجرات : 3 ] .
وقيل : نزلت :
إن الذين ينادونك من وراء الحجرات [ الحجرات : 4 ] في غير
بني تميم ، نادوه باسمه :
وروى
صفوان بن عسال : بينا النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر إذا ناداه أعرابي بصوت له جهوري : أيا
محمد . قلنا له : اغضض من صوتك ، فإنك قد نهيت عن رفع الصوت .
وقال الله - تعالى - :
[ ص: 399 ] ياأيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا [ البقرة : 104 ] .
قال بعض المفسرين : هي لغة كانت في
الأنصار ، نهوا عن قولها تعظيما للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، وتبجيلا له ، لأن معناها : ارعنا نرعك ، فنهوا عن قولها ، إذ مقتضاها كأنهم لا يرعونه إلا برعايته لهم ، بل حقه أن يرعى على كل حال .
وقيل : كانت
اليهود تعرض بها للنبي - صلى الله عليه وسلم - بالرعونة ، فنهي المسلمون عن قولها قطعا للذريعة ، ومنعا للتشبيه بهم في قولها ، لمشاركة اللفظة ، وقيل غير هذا .