ومنهم من لم ير إسقاط الفرق الثاني جملة ، بل إنما يسقطه عن الواصل إلى عين
[ ص: 261 ] الجمع ، الشاهد للحقيقة ، وما دام سالكا ، أو محجوبا عن شهود الحقيقة فالفرق لازم له .
وهؤلاء أيضا من جنس الفريق الأول ، بل هم خواصهم ، فإذا وصل واصلهم إلى شهود حقيقة الجمع لم يجب عليه القيام بتفرقة الأوامر ، وإن قام بها فلحفظ المرتبة ، وضبط الناموس ، وحفظ السالكين عن الذهاب مع الفرق الطبيعي ، قبل شهودهم الحقيقة ، ويسمون هذه الحال تلبيسا وقد تقدم ذكره .
وسيأتي إن شاء الله تعالى كشف هذا التلبيس الذي يشيرون إليه كشفا بينا .
وقد تقدم أنهم يحتجون على سقوط الفرق عمن شهد الحقيقة بقوله تعالى
واعبد ربك حتى يأتيك اليقين .
ويقولون : إن الرسول - صلوات الله وسلامه عليه - كان في هذا المقام ، وإنما كان في قيامه بالأعمال تشريعا ، وقد ذكرنا أن اليقين الموت ، وأنه من المعلوم بالاضطرار من دين الإسلام أن
الأوامر والنواهي لا تسقط عن العبد ما دام في دار التكليف ، إلا إذا زال عقله وصار مجنونا .