[ ص: 263 ] فصل
ومنهم من يتمكن الإيمان والعلم من قلبه ، فإذا جاء الأمر قام إليه ، وبادر بجمعيته ، فإن صحبته وإلا طرحها ، وبادر إلى الأمر ، وعلم أنه لا يسعه غير ذلك ، وأن الجمعية فضل ، والأمر فرض ، ومن ضيع الفروض للفضول حيل بينه وبين الوصول ، لكن إذا جاءت المندوبات ، التي هي محل الأرباح والمكاسب العظيمة ، والمصالح الراجحة من عيادة المريض ، واتباع الجنازة ، والجهاد المستحب ، وطلب العلم النافع ، والخلطة التي ينتفع بها وينفع غيره ، ولم يؤثرها على جمعيته ، إذا رأى جمعيته خيرا له وأنفع منها - فهذا غير آثم ولا مفرط إلا إذا تركها رغبة عنها بالكلية ، واستبدالا بالجمعية ، فهذا ناقص .
أما إذا قام بها أحيانا وتركها أحيانا لاشتغاله بجمعيته ، فهذا غير مذموم ، بل هذا
حقيقة الاعتكاف المشروع ، وهو جمعية العبد على ربه وخلوته به ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحتجر بحصير في المسجد في اعتكافه ، يخلو به مع ربه عز وجل ، ولم يكن يشتغل بتعليم الصحابة وتذكيرهم في تلك الحال ، ولهذا كان المشهور من مذهب
أحمد وغيره أنه لا يستحب للمعتكف
إقراء القرآن والعلم ، وخلوته للذكر والعبادة أفضل له ، واحتجوا بفعل النبي صلى الله عليه وسلم .