فصل
وفوق هذا مقام آخر من التوبة ، أرفع منه وأخص ، لا يعرفه إلا الخواص المحبون ، الذين يستقلون في حق محبوبهم جميع أعمالهم وأحوالهم وأقوالهم ، فلا يرونها قط إلا بعين النقص والإزراء عليها ، ويرون شأن محبوبهم أعظم ، وقدره أعلى من أن يرضوا نفوسهم وأعمالهم له ، فهم أشد شيء احتقارا لها ، وإزراء عليها ، وإذا غفلوا عن مراد محبوبهم منهم ، ولم يوفوه حقه ، تابوا إليه من ذلك توبة أرباب الكبائر منها ، فالتوبة لا
[ ص: 280 ] تفارقهم أبدا ، وتوبتهم لون وتوبة غيرهم لون
وفوق كل ذي علم عليم وكلما ازدادوا حبا له ازدادوا معرفة بحقه ، وشهودا لتقصيرهم ، فعظمت لذلك توبتهم ، ولذلك كان خوفهم أشد ، وإزراؤهم على أنفسهم أعظم ، وما يتوب منه هؤلاء قد يكون من كبار حسنات غيرهم .
وبالجملة
فتوبة المحبين الصادقين العارفين بربهم وبحقه هي التوبة ، وسواهم محجوب عنها ، وفوق هذه توبة أخرى ، الأولى بنا الإضراب عنها صفحا .