فصل منزلة الرجاء
[ ص: 36 ] ومن منازل : (
إياك نعبد وإياك نستعين )
منزلة الرجاء .
قال الله تعالى : (
أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه ) فابتغاء الوسيلة إليه : طلب القرب منه بالعبودية والمحبة . فذكر مقامات الإيمان الثلاثة التي عليها بناؤه : الحب ، والخوف ، والرجاء . قال تعالى : (
من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت ) ، وقال : (
فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ) ، وقال تعالى : (
أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم ) .
وفي صحيح
مسلم عن
جابر رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول - قبل موته بثلاث - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=980319لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بربه ، وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=hadith&LINKID=980320يقول الله عز وجل : أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء .
" الرجاء " حاد يحدو القلوب إلى بلاد المحبوب . وهو الله والدار الآخرة . ويطيب لها السير .
وقيل : هو الاستبشار بجود وفضل الرب تبارك وتعالى . والارتياح لمطالعة كرمه سبحانه .
[ ص: 37 ] وقيل : هو الثقة بجود الرب تعالى .
والفرق بينه وبين التمني أن التمني يكون مع الكسل . ولا يسلك بصاحبه طريق الجد والاجتهاد . و " الرجاء " يكون مع بذل الجهد وحسن التوكل .
فالأول كحال من يتمنى أن يكون له أرض يبذرها ويأخذ زرعها .
والثاني كحال من يشق أرضه ويفلحها ويبذرها . ويرجو طلوع الزرع .
ولهذا أجمع العارفون على أن
الرجاء لا يصح إلا مع العمل .
قال
شاه الكرماني : علامة صحة الرجاء حسن الطاعة .
والرجاء ثلاثة أنواع : نوعان محمودان ، ونوع غرور مذموم .
فالأولان
رجاء رجل عمل بطاعة الله على نور من الله . فهو راج لثوابه .
ورجل أذنب ذنوبا ثم تاب منها . فهو راج لمغفرة الله تعالى وعفوه وإحسانه وجوده وحلمه وكرمه .
والثالث :
رجل متماد في التفريط والخطايا . يرجو رحمة الله بلا عمل . فهذا هو الغرور والتمني والرجاء الكاذب .
وللسالك نظران : نظر إلى نفسه وعيوبه وآفات عمله ، يفتح عليه باب الخوف إلى سعة فضل ربه وكرمه وبره . ونظر يفتح عليه باب الرجاء .
ولهذا قيل في
حد الرجاء : هو النظر إلى سعة رحمة الله .
وقال
أبو علي الروذباري : الخوف والرجاء كجناحي الطائر إذا استويا استوى الطير وتم طيرانه . وإذا نقص أحدهما وقع فيه النقص . وإذا ذهبا صار الطائر في حد الموت .
[ ص: 38 ] وسئل
أحمد بن عاصم : ما
علامة الرجاء في العبد ؟ فقال : أن يكون إذا أحاط به الإحسان ألهم الشكر ، راجيا لتمام النعمة من الله عليه في الدنيا والآخرة ، وتمام عفوه عنه في الآخرة .
واختلفوا ، أي الرجائين أكمل : رجاء المحسن ثواب إحسانه . أو رجاء المسيء التائب مغفرة ربه وعفوه ؟ .
فطائفة رجحت رجاء المحسن . لقوة أسباب الرجاء معه . وطائفة رجحت رجاء المذنب ؛ لأن رجاءه مجرد عن علة رؤية العمل ، مقرون بذلة رؤية الذنب .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=17335يحيى بن معاذ : يكاد رجائي لك مع الذنوب يغلب رجائي لك مع الأعمال ؛ لأني أجدني أعتمد في الأعمال على الإخلاص ، وكيف أصفيها وأحرزها ؟ وأنا بالآفات معروف . وأجدني في الذنوب أعتمد على عفوك ، وكيف لا تغفرها وأنت بالجود موصوف ؟ .
وقال أيضا : إلهي ، أحلى العطايا في قلبي رجاؤك . وأعذب الكلام على لساني ثناؤك . وأحب الساعات إلي ساعة يكون فيها لقاؤك .