فصل
قال صاحب " المنازل " :
الرجاء على ثلاث درجات : الدرجة الأولى : رجاء يبعث العامل على الاجتهاد . ويولد التلذذ بالخدمة ، ويوقظ الطباع للسماحة بترك المناهي .
[ ص: 53 ] أي ينشطه لبذل جهده لما يرجوه من ثواب ربه . فإن من عرف قدر مطلوبه هان عليه ما يبذل فيه .
وأما توليده للتلذذ بالخدمة فإنه كلما طالع قلبه ثمرتها وحسن عاقبتها التذ بها . وهذا كحال من يرجو الأرباح العظيمة في سفره ، ويقاسي مشاق السفر لأجلها . فكلما صورها لقلبه هانت عليه تلك المشاق والتذ بها . وكذلك المحب الصادق الساعي في مراضي محبوبه الشاقة عليه ، كلما تأمل ثمرة رضاه عنه وقبوله سعيه ، وقربه منه تلذذ بتلك المساعي ، وكلما قوي علم العبد بإفضاء ذلك السبب إلى المسبب المطلوب ، وقوي علمه بقدر المسبب وقرب السبب منه ازداد التذاذا بتعاطيه .
وأما إيقاظ الطباع للسماحة بترك المناهي : فإن الطباع لها معلوم ورسوم تتقاضاها من العبد . ولا تسمح له بتركها إلا بعوض هو أحب إليها من معلومها ورسومها ، وأجل عندها منه وأنفع لها . فإذا قوي تعلق الرجاء بهذا العوض الأفضل الأشرف سمحت الطباع بترك تلك الرسوم وذلك المعلوم . فإن النفس لا تترك محبوبا إلا لمحبوب هو أحب إليها منه . أو حذرا من مخوف هو أعظم مفسدة لها من حصول مصلحتها بذلك المحبوب . وفي الحقيقة ففرارها من ذلك المخوف إيثار لضده المحبوب لها . فما تركت محبوبا إلا لما هو أحب إليها منه . فإن من قدم إليه طعام لذيذ يضره ويوجب له السقم . فإنما يتركه محبة للعافية التي هي أحب إليه من ذلك الطعام .