قال صاحب " المنازل " :
المراقبة : دوام ملاحظة المقصود . وهي على ثلاث درجات
درجات المراقبة . الدرجة الأولى : مراقبة الحق تعالى في السير إليه على الدوام ، بين تعظيم مذهل ، ومداناة حاملة . وسرور باعث .
فقوله : دوام ملاحظة المقصود أي دوام حضور القلب معه .
[ ص: 67 ] وقوله : بين تعظيم مذهل فهو امتلاء القلب من عظمة الله عز وجل .
بحيث يذهله ذلك عن تعظيم غيره ، وعن الالتفات إليه . فلا ينسى هذا التعظيم عند حضور قلبه مع الله . بل يستصحبه دائما . فإن الحضور مع الله يوجب أنسا ومحبة ، إن لم يقارنهما تعظيم ، أورثاه خروجا عن حدود العبودية ورعونة . فكل حب لا يقارنه تعظيم المحبوب فهو سبب للبعد عنه ، والسقوط من عينيه .
فقد تضمن كلامه خمسة أمور : سير إلى الله ، واستدامة هذا السير ، وحضور القلب معه ، وتعظيمه ، والذهول بعظمته عن غيره .
وأما قوله : ومداناة حاملة ، فيريد دنوا وقربا حاملا على هذه الأمور الخمسة . وهذا الدنو يحمله على التعظيم الذي يذهله عن نفسه . وعن غيره . فإنه كلما ازداد قربا من الحق ازداد له تعظيما ، وذهولا عن سواه ، وبعدا عن الخلق .
وأما السرور الباعث فهو الفرحة والتعظيم ، واللذة التي يجدها في تلك المداناة ، فإن سرور القلب بالله وفرحه به ، وقرة العين به . لا يشبهه شيء من نعيم الدنيا ألبتة . وليس له نظير يقاس به . وهو حال من أحوال أهل الجنة . حتى قال بعض العارفين : إنه لتمر بي أوقات أقول فيها : إن كان أهل الجنة في مثل هذا ، إنهم لفي عيش طيب .
ولا ريب أن هذا السرور يبعثه على دوام السير إلى الله عز وجل ، وبذل الجهد في طلبه ، وابتغاء مرضاته ، ومن لم يجد هذا السرور ، ولا شيئا منه ، فليتهم إيمانه وأعماله . فإن للإيمان حلاوة ، من لم يذقها فليرجع ، وليقتبس نورا يجد به حلاوة الإيمان .
وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ذوق طعم الإيمان ووجد حلاوته . فذكر الذوق والوجد ، وعلقه بالإيمان . فقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=980335ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد رسولا . وقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=980336ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان : من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما . ومن كان يحب المرء لا يحبه إلا لله . ومن يكره أن يعود في الكفر - بعد إذ أنقذه الله منه - كما يكره أن يلقى في النار .
[ ص: 68 ] وسمعت شيخ الإسلام
ابن تيمية - قدس الله روحه - يقول : إذا لم تجد للعمل حلاوة في قلبك وانشراحا ، فاتهمه ، فإن الرب تعالى شكور . يعني أنه لا بد أن يثيب العامل على عمله في الدنيا من حلاوة يجدها في قلبه ، وقوة انشراح وقرة عين . فحيث لم يجد ذلك فعمله مدخول .