فصل
قال : الدرجة الثالثة :
صيانة الانبساط أن تشوبه جرأة . وصيانة السرور أن يداخله أمن . وصيانة الشهود أن يعارضه سبب .
لما كانت هذه الدرجة عنده مختصة بأهل المشاهدة - والغالب عليهم الانبساط والسرور - فإن صاحبها متعلق باسمه الباسط ، حذره من شائبة الجرأة . وهي ما يخرجه عن أدب العبودية ، ويدخله في الشطح . كشطح من قال : سبحاني ، ونحو ذلك من الشطحات المعروفة المخرجة عن أدب العبودية التي نهاية صاحبها أن يعذر بزوال عقله ، وغلبة سكر الحال عليه . فلا بد من مقارنة التعظيم والإجلال ، لبسط المشاهدة ، وإلا وقع في الجرأة ولا بد . فالمراقبة تصونه عن ذلك .
قوله : وصيانة السرور أن يداخله أمن .
يعني أن صاحب الانبساط والمشاهدة يداخله سرور لا يشبهه سرور البتة . فينبغي
[ ص: 88 ] له أن لا يأمن في هذا الحال المكر ، بل يصون سروره وفرحه عن خطفات المكر بخوف العاقبة ، المطوي عنه علم غيبها . ولا يغتر .
وأما صيانة الشهود أن يعارضه سبب ، فيريد أن صاحب الشهود قد يكون ضعيفا في شهود حقيقة التوحيد . فيتوهم أنه قد حصل له ما حصل بسبب الاجتهاد التام ، والعبادة الخالصة . فينسب حصول ما حصل له من الشهود إلى سبب منه . وذلك نقص في توحيده ومعرفته ؛ لأن الشهود لا يكون إلا موهبة ، ليس هو كسبيا . ولو كان كسبيا فشهود سببه نقص في التوحيد ، وغيبة عن شهود الحقيقة .
ويحتمل أن يريد بالسبب المعارض للشهود ورود خاطر على الشاهد ، يكدر عليه صفو شهوده . فيصونه عن ورود سبب يعارضه إما معارض إرادة ، أو معارض شبهة . وقد يعم كلامه الأمرين . والله سبحانه أعلم .