فصل المرتبة العاشرة من مراتب الهداية :
الرؤيا الصادقة
وهي من أجزاء النبوة كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
nindex.php?page=hadith&LINKID=980124الرؤيا الصادقة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة .
[ ص: 74 ] وقد قيل في سبب هذا التخصيص المذكور : إن أول مبتدأ الوحي كان هو الرؤيا الصادقة ، وذلك نصف سنة ، ثم انتقل إلى وحي اليقظة مدة ثلاث وعشرين سنة ، من حين بعث إلى أن توفي ، صلوات الله وسلامه عليه ، فنسبة مدة الوحي في المنام من ذلك جزء من ستة وأربعين جزءا ، وهذا حسن ، لولا ما جاء في الرواية الأخرى الصحيحة "
nindex.php?page=hadith&LINKID=980125إنها جزء من سبعين جزءا " .
وقد قيل في الجمع بينهما : إن ذلك بحسب حال الرائي ، فإن
رؤيا الصديقين من ستة وأربعين ، ورؤيا عموم المؤمنين الصادقة من سبعين ، والله أعلم .
والرؤيا مبدأ الوحي ، وصدقها بحسب صدق الرائي ،
وأصدق الناس رؤيا أصدقهم حديثا ، وهي عند اقتراب الزمان لا تكاد تخطئ ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك لبعد العهد بالنبوة وآثارها ، فيتعوض المؤمنون بالرؤيا ، وأما في زمن قوة نور النبوة ففي ظهور نورها وقوته ما يغني عن الرؤيا .
ونظير هذا الكرامات التي ظهرت بعد عصر الصحابة ، ولم تظهر عليهم ، لاستغنائهم عنها بقوة إيمانهم ، واحتياج من بعدهم إليها لضعف إيمانهم ، وقد نص
أحمد [ ص: 75 ] على هذا المعنى ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=63عبادة بن الصامت : رؤيا المؤمن كلام يكلم به الرب عبده في المنام ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=hadith&LINKID=980126لم يبق من النبوة إلا المبشرات ، قيل : وما المبشرات يا رسول الله ؟ قال : الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له وإذا تواطأت رؤيا المسلمين لم تكذب ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه لما أروا ليلة القدر في العشر الأواخر ، قال
nindex.php?page=hadith&LINKID=980127أرى رؤياكم قد تواطأت في العشر الأواخر ، فمن كان منكم متحريها فليتحرها في العشر الأواخر من رمضان .
والرؤيا كالكشف ، منها رحماني ، ومنها نفساني ، ومنها شيطاني ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=hadith&LINKID=980128الرؤيا ثلاثة : رؤيا من الله ، ورؤيا تحزين من الشيطان ، ورؤيا مما يحدث به الرجل نفسه في اليقظة ، فيراه في المنام .
والذي هو من أسباب الهداية : هو الرؤيا التي من الله خاصة .
ورؤيا الأنبياء وحي ، فإنها معصومة من الشيطان ، وهذا باتفاق الأمة ،
ولهذا أقدم الخليل على ذبح ابنه إسماعيل عليهما السلام بالرؤيا .
وأما رؤيا غيرهم فتعرض على الوحي الصريح ، فإن وافقته وإلا لم يعمل بها .
فإن قيل : فما تقولون إذا كانت رؤيا صادقة ، أو تواطأت ؟ .
[ ص: 76 ] قلنا : متى كانت كذلك استحال مخالفتها للوحي ، بل لا تكون إلا مطابقة له ، منبهة عليه ، أو منبهة على اندراج قضية خاصة في حكمه ، لم يعرف الرائي اندراجها فيه ، فيتنبه بالرؤيا على ذلك ، ومن أراد أن تصدق رؤياه فليتحر الصدق وأكل الحلال ، والمحافظة على الأمر والنهي ، ولينم على طهارة كاملة مستقبل القبلة ، ويذكر الله حتى تغلبه عيناه ، فإن رؤياه لا تكاد تكذب البتة .
وأصدق الرؤيا :
رؤيا الأسحار ، فإنه وقت النزول الإلهي ، واقتراب الرحمة والمغفرة ، وسكون الشياطين ، وعكسه رؤيا العتمة ، عند انتشار الشياطين والأرواح الشيطانية ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=63عبادة بن الصامت رضي الله عنه : رؤيا المؤمن كلام يكلم به الرب عبده في المنام .
وللرؤيا ملك موكل بها ، يريها العبد في أمثال تناسبه وتشاكله ، فيضربها لكل أحد بحسبه ، وقال
مالك : " الرؤيا من الوحي وحي " ، وزجر عن تفسيرها بلا علم ، وقال : أتتلاعب بوحي الله ؟
ولذكر الرؤيا وأحكامها وتفاصيلها وطرق تأويلها مظان مخصوصة بها ، يخرجنا ذكرها عن المقصود ، والله أعلم .