فصل
المشهد التاسع :
مشهد النعمة وذلك من وجوه .
أحدها : أن يشهد نعمة الله عليه في أن جعله مظلوما يترقب النصر . ولم يجعله ظالما
[ ص: 306 ] يترقب المقت والأخذ . فلو خير العاقل بين الحالتين - ولا بد من إحداهما - لاختار أن يكون مظلوما .
ومنها : أن يشهد نعمة الله في التكفير بذلك من خطاياه . فإنه ما أصاب المؤمن هم ولا غم ولا أذى إلا كفر الله به من خطاياه . فذلك في الحقيقة دواء يستخرج به منه داء الخطايا والذنوب . ومن رضي أن يلقى الله بأدوائه كلها وأسقامه ، ولم يداوه في الدنيا بدواء يوجب له الشفاء : فهو مغبون سفيه . فأذى الخلق لك كالدواء الكريه من الطبيب المشفق عليك . فلا تنظر إلى مرارة الدواء وكراهته ومن كان على يديه . وانظر إلى شفقة الطبيب الذي ركبه لك ، وبعثه إليك على يدي من نفعك بمضرته .
ومنها : أن يشهد كون تلك البلية أهون وأسهل من غيرها . فإنه ما من محنة إلا وفوقها ما هو أقوى منها وأمر . فإن لم يكن فوقها محنة في البدن والمال فلينظر إلى سلامة دينه وإسلامه وتوحيده . وأن كل مصيبة دون مصيبة الدين فهينة . وأنها في الحقيقة نعمة . والمصيبة الحقيقية مصيبة الدين .
ومنها : توفية أجرها وثوابها يوم الفقر والفاقة . وفي بعض الآثار : أنه يتمنى أناس يوم القيامة لو أن جلودهم كانت تقرض بالمقاريض ، لما يرون من ثواب أهل البلاء .
هذا . وإن العبد ليشتد فرحه يوم القيامة بما له قبل الناس من الحقوق في المال والنفس والعرض . فالعاقل يعد هذا ذخرا ليوم الفقر والفاقة . ولا يبطله بالانتقام الذي لا يجدي عليه شيئا .