فصل في تضمنها للرد على الجبرية
وذلك من وجوه :
أحدها : من
إثبات عموم حمده سبحانه ، فإنه يقتضي أن لا يعاقب عبيده على ما لا قدرة لهم عليه ، ولا هو من فعلهم ، بل هو بمنزلة ألوانهم ، وطولهم وقصرهم ، بل هو يعاقبهم على نفس فعله بهم ، فهو الفاعل لقبائحهم في الحقيقة ، وهو المعاقب لهم عليها ، فحمده عليها يأبى ذلك أشد الإباء ، وينفيه أعظم النفي ، فتعالى من له الحمد كله عن ذلك علوا كبيرا ، بل إنما يعاقبهم على نفس أفعالهم التي فعلوها حقيقة ، فهي أفعالهم لا أفعاله ، وإنما أفعاله العدل ، والإحسان والخيرات .
الوجه الثاني :
إثبات رحمته ورحمانيته ينفي ذلك إذ لا يمكن اجتماع هذين
[ ص: 88 ] الأمرين قط أن يكون رحمانا رحيما ويعاقب العبد على ما لا قدرة له عليه ، ولا هو من فعله ، بل يكلفه ما لا يطيقه ، ولا له عليه قدرة البتة ، ثم يعاقبه عليه ، وهل هذا إلا ضد الرحمة ، ونقض لها وإبطال ؟ وهل يصح في معقول أحد اجتماع ذلك والرحمة التامة الكاملة في ذات واحدة ؟ .
الوجه الثالث :
إثبات العبادة والاستعانة لهم ، ونسبتها إليهم ، بقولهم " نعبد ، ونستعين " وهي نسبة حقيقية لا مجازية ، والله لا يصح وصفه بالعبادة والاستعانة التي هي من أفعال عبيده ، بل العبد حقيقة هو العابد المستعين ، والله هو المعبود المستعان به .