فصل في
تفصيل ذلك 1 - أما الأول : فكقوله تعالى :
ياأيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما وقوله تعالى :
واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة .
وفيه قولان ، أحدهما : في سرك وقلبك ، والثاني : بلسانك بحيث تسمع نفسك .
2 - وأما النهي عن ضده : فكقوله :
ولا تكن من الغافلين وقوله :
ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم .
3 - وأما تعليق الفلاح بالإكثار منه : فكقوله :
واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون .
4 - وأما الثناء على أهله وحسن جزائهم : فكقوله :
إن المسلمين والمسلمات إلى قوله :
والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما .
5 - وأما خسران من لها عنه فكقوله تعالى :
ياأيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون .
[ ص: 398 ] 6 - وأما جعل ذكره لهم جزاء لذكرهم له فكقوله :
فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون .
7 - وأما الإخبار عنه بأنه أكبر من كل شيء فكقوله تعالى :
اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر وفيها أربعة أقوال :
أحدها : أن ذكر الله أكبر من كل شيء فهو أفضل الطاعات; لأن المقصود بالطاعات كلها : إقامة ذكره فهو سر الطاعات وروحها .
الثاني : أن المعنى : أنكم إذا ذكرتموه ذكركم فكان ذكره لكم أكبر من ذكركم له . فعلى هذا : المصدر مضاف إلى الفاعل ، وعلى الأول : مضاف إلى المذكور .
الثالث : أن المعنى : ولذكر الله أكبر من أن يبقى معه فاحشة ومنكر ، بل إذا تم الذكر : محق كل خطيئة ومعصية . هذا ما ذكره المفسرون .
وسمعت شيخ الإسلام
ابن تيمية - رحمه الله - يقول : معنى الآية : أن
في الصلاة فائدتين عظيمتين إحداهما : نهيها عن الفحشاء والمنكر ، والثانية : اشتمالها على ذكر الله وتضمنها له ولما تضمنته من ذكر الله أعظم من نهيها عن الفحشاء والمنكر .
8 - وأما ختم الأعمال الصالحة به : فكما ختم به عمل الصيام بقوله :
ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون .
وختم به الحج في قوله :
فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا .
وختم به الصلاة كقوله :
فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم وختم به الجمعة كقوله :
فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون [ ص: 399 ] ولهذا كان خاتمة الحياة الدنيا ، وإذا كان آخر كلام العبد أدخله الله الجنة
9 - وأما اختصاص الذاكرين بالانتفاع بآياته وهم أولو الألباب والعقول فكقوله تعالى :
إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم
10 - وأما مصاحبته لجميع الأعمال واقترانه بها وأنه روحها : فإنه سبحانه قرنه بالصلاة كقوله :
وأقم الصلاة لذكري وقرنه بالصيام وبالحج ومناسكه ، بل هو روح الحج ولبه ومقصوده . كما قال النبي :
nindex.php?page=hadith&LINKID=980533إنما جعل الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله .
وقرنه بالجهاد وأمر بذكره عند ملاقاة الأقران ومكافحة الأعداء فقال تعالى :
ياأيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون وفي أثر إلهي يقول الله تعالى : إن عبدي - كل عبدي - الذي يذكرني وهو ملاق قرنه .
سمعت شيخ الإسلام
ابن تيمية - قدس الله روحه - يستشهد به وسمعته يقول : المحبون يفتخرون بذكر من يحبونه في هذه الحال ، كما قال
عنترة :
ولقد ذكرتك والرماح كأنها أشطان بئر في لبان الأدهم
وقال الآخر :
ذكرتك والخطي يخطر بيننا وقد نهلت منا المثقفة السمر
قال آخر :
ولقد ذكرتك والرماح شواجر تحوي وبيض الهند تقطر من دمي
وهذا كثير في أشعارهم وهو مما يدل على قوة المحبة . فإن ذكر المحب محبوبه
[ ص: 400 ] في تلك الحال التي لا يهم المرء فيها غير نفسه يدل على أنه عنده بمنزلة نفسه أو أعز منها ، وهذا دليل على صدق المحبة ، والله أعلم .