قال : الدرجة الثانية .
غنى النفس . وهو استقامتها على المرغوب . وسلامتها من الحظوظ . وبراءتها من المراءاة
جعل الشيخ : غنى النفس فوق غنى القلب .
ومعلوم : أن أمور القلب أكمل وأقوى من أمور النفس . لكن في هذا الترتيب نكتة لطيفة . وهي أن النفس من جند القلب ورعيته . وهي من أشد جنده خلافا عليه ، وشقاقا له . ومن قبلها تتشوش عليه المملكة . ويدخل عليه الداخل . فإذا حصل له كمال بالغنى : لم يتم له إلا بغناها أيضا . فإنها متى كانت فقيرة عاد حكم فقرها عليه . وتشوش عليه غناه . فكان غناها تماما لغناه وكمالا له . وغناه أصلا بغناها . فمنه يصل الغنى إليها . ومنها يصل الفقر والضرر والعنت إليه .
إذا عرف هذا ، فالشيخ جعل غناها بثلاثة أشياء :
استقامتها على المرغوب وهو الحق تعالى . واستقامتها عليه : استدامة طلبه . وقطع المنازل بالسير إليه .
الثاني : سلامتها من الحظوظ وهي تعلقاتها الظاهرة والباطنة بما سوى الله .
الثالث : براءتها من المراءاة وهي إرادة غير الله بشيء من أعمالها وأقوالها . فمراءاتها دليل على شدة فقرها . وتعلقها بالحظوظ من فقرها أيضا .
[ ص: 422 ] وعدم استقامتها على مطلوبها الحق : أيضا من فقرها . وذلك يدل على أنها غير واجدة لله . إذ لو وجدته لاستقامت على السير إليه . ولقطعت تعلقاتها وحظوظها من غيره . ولما أرادت بعملها غيره .
فلا تستقيم هذه الثلاثة إلا لمن قد ظفر بنفسه ، ووجد مطلوبه . وما لم يجد ربه تعالى فلا استقامة له . ولا سلامة لها من الحظوظ . ولا براءة لها من الرياء .