فصل
قال صاحب " المنازل " :
باب المراد . قال الله تعالى :
وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك أكثر المتكلمين في هذا العلم جعلوا المريد والمراد اثنين . وجعلوا مقام المراد فوق مقام المريد وإنما أشاروا باسم المراد إلى الضنائن الذين ورد فيهم الخبر .
قلت : وجه استشهاده بالآية : أن الله سبحانه ألقى إلى رسوله كتابه ، وخصه بكرامته . وأهله لرسالته ونبوته . من غير أن يكون ذلك منه على رجاء ، أو ناله بكسب ، أو توسل إليه بعمل ، بل هو أمر أريد به . فهو المراد حقيقة .
وقوله : إن أكثرهم جعلوا المريد والمراد اثنين فهو تعرض إلى أن منهم من اكتفى عن ذكر مقام المراد بمنزلة الإرادة لأن صاحبها مريد مراد .
وأما إشارتهم إلى الضنائن
[ ص: 424 ] فالمراد به : حديث يروى مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم :
إن لله ضنائن من خلقه . يحييهم في عافية . ويميتهم في عافية .
والضنائن : الخصائص . يقال : هو ضنتي من بين الناس - بكسر الضاد - أي الذي أختص به وأضن بجودته ، أي أبخل بها أن أضيعها .
وقد مثل للمريد والمراد بقوم بعث إليهم سلطانهم يستدعيهم إلى حضرته من بلاد نائية ، وأرسل إليهم بالأدلة والأموال ، والمراكب وأنواع الزاد . وأمرهم بأن يتجشموا إليه قطع السبل والمفاوز . وأن يجتهدوا في المسير حتى يلحقوا به . وبعث خيلا له ومماليك إلى طائفة منهم . فقال : احملوهم على هذه الخيل التي تسبق الركاب . واخدموهم في طريقهم . ولا تدعوهم يعانون مؤنة الشد والربط ، بل إذا نزلوا فأريحوهم . ثم احملوهم حتى تقدموهم علي .
فلم يجد هؤلاء من مجاهدة السير ، ومكابدته ، ووعثاء السفر ما وجده غيرهم .
ومن الناس من يقول : المريد ينتقل من منزلة الإرادة إلى أن يصير مرادا فكان محبا . فصار محبوبا . فكل مريد صادق نهاية أمره أن يكون مرادا . وأكثرهم على هذا .
و صاحب " المنازل " كأن عنده المراد هو المجذوب ، والمريد هو السالك على طريق الجادة .