فصل
قال الدرجة الثالثة :
تعظيم الحق سبحانه . وهو أن لا يجعل دونه سببا ، ولا يرى عليه حقا ، أو ينازع له اختيارا .
هذه الدرجة تتضمن تعظيم الحاكم سبحانه ، صاحب الخلق والأمر ، والتي قبلها تتضمن تعظيم قضائه لا مقضيه ، والأولى : تتضمن تعظيم أمره .
وذكر من تعظيمه ثلاثة أشياء :
أحدها : أن لا تجعل دونه سببا
أي لا تجعل للوصلة إليه سببا غيره . بل هو الذي يوصل عبده إليه ، فلا يوصل إلى الله إلا الله ، ولا يقرب إليه سواه . ولا يدني إليه غيره ، ولا يتوصل إلى رضاه إلا به . فما دل على الله إلا الله ، ولا هدى إليه سواه . ولا أدنى إليه غيره . فإنه سبحانه هو الذي جعل السبب سببا . فالسبب وسببيته وإيصاله : كله خلقه وفعله .
الثاني : أن لا يرى عليه حقا
أي لا ترى لأحد من الخلق - لا لك ولا لغيرك - حقا على الله . بل الحق لله على خلقه ، وفي أثر إسرائيلي : أن
داود عليه السلام قال : يا رب ، بحق آبائي عليك . فأوحى الله إليه : يا
داود . أي حق لآبائك علي ؟ ألست أنا الذي هديتهم ومننت عليهم واصطفيتهم . ولي الحق عليهم ؟ .
وأما
حقوق العبيد على الله تعالى : من إثابته لمطيعهم ، وتوبته على تائبهم ، وإجابتهم لسائلهم : فتلك حقوق أحقها الله سبحانه على نفسه ، بحكم وعده وإحسانه لا أنها حقوق أحقوها هم عليه . فالحق في الحقيقة لله على عبده ، وحق العبد عليه هو ما اقتضاه بجوده وبره ، وإحسانه إليه بمحض جوده وكرمه ، هذا قول أهل التوفيق والبصائر . وهو وسط بين قولين منحرفين . قد تقدم ذكرهما مرارا . والله سبحانه أعلم .
[ ص: 470 ] وأما قوله : أو لا ينازع له اختيارا .
أي إذا رأيت الله عز وجل قد اختار لك أو لغيرك شيئا - إما بأمره ودينه ، وإما بقضائه وقدره - فلا تنازع اختياره ، بل ارض باختيار ما اختاره لك ، فإن ذلك من تعظيمه سبحانه .
ولا يرد عليه قدره من المعاصي . فإنه سبحانه - وإن قدرها - لكنه لم يخترها له ، فمنازعتها غير اختياره من عبده . وذلك من تمام تعظيم العبد له سبحانه . والله أعلم .