فصل
فإذا حصلت هذه الثلاثة بالسكينة - وهي النور ، والحياة والروح - سكن إليها العصي وهو الذي سكونه إلى المعصية والمخالفة ؛ لعدم سكينة الإيمان في قلبه صار سكونه إليها عوض سكونه إلى الشهوات ، والمخالفات . فإنه قد وجد فيها مطلوبه . وهو اللذة التي كان يطلبها من المعصية . ولم يكن له ما يعيضه عنها . فإذا نزلت عليه السكينة
[ ص: 476 ] اعتاض بذلتها وروحها ، ونعيمها عن لذة المعصية . فاستراحت بها نفسه . وهاج إليها قلبه . ووجد فيها من الروح والراحة واللذة ما لا نسبة بينه وبين اللذة الجسمانية النفسانية . فصارت لذته روحانية قلبية . بعد أن كانت جسمانية فانسلب منها ، وحبس عنها وخلصته . فإذا تألقت بروقها قال :
تألق البرق نجديا فقلت له : يا أيها البرق ، إني عنك مشغول
وإذا طرقته طيوفها الخيالية في ظلام ليل الشهوات ، نادى لسان حاله ، وتمثل بمثل قوله :
طرقتك صائدة القلوب وليس ذا وقت الزيارة فارجعي بسلام
فإذا ودعته وعزمت على الرحيل ، ووعدته بالموافاة ، بقول الآخر :
قالت - وقد عزمت على ترحالها - ماذا تريد ؟ فقلت : أن لا ترجعي
فإذا باشرت هذه السكينة قلبه سكنت خوفه . وهو قوله : يسكن إليها الخائف ، وسلت حزنه ؛ فإنها لا حزن معها . فهي سلوة المحزون . ومذهبة الهموم والغموم . وكذلك تذهب عنه وخم ضجره . وتبعث نشوة العزم .
وحالت بينه وبين الجرأة على مخالفة الأمر . وبين إباء النفس والانقياد إليه . والله أعلم .