فصل منزلة الطمأنينة
ومن منازل
إياك نعبد وإياك نستعين منزلة الطمأنينة
قال الله تعالى :
الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب . وقال الله تعالى :
ياأيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي .
الطمأنينة سكون القلب إلى الشيء . وعدم اضطرابه وقلقه . ومنه الأثر المعروف
nindex.php?page=hadith&LINKID=980464الصدق طمأنينة ، والكذب ريبة أي الصدق يطمئن إليه قلب السامع . ويجد عنده سكونا إليه . والكذب يوجب له اضطرابا وارتيابا . ومنه قوله : صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=980565البر ما اطمأن إليه [ ص: 480 ] القلب أي سكن إليه وزال عنه اضطرابه وقلقه .
وفي ذكر الله هاهنا قولان .
أحدهما : أنه
ذكر العبد ربه . فإنه يطمئن إليه قلبه ويسكن . فإذا اضطرب القلب وقلق فليس له ما يطمئن به سوى ذكر الله .
ثم اختلف أصحاب هذا القول فيه .
فمنهم من قال : هذا في الحلف واليمين . إذا حلف المؤمن على شيء سكنت قلوب المؤمنين إليه واطمأنت ، ويروى هذا عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما .
ومنهم من قال : بل هو ذكر العبد ربه بينه وبينه ، يسكن إليه قلبه ويطمئن .
والقول الثاني : أن ذكر الله هاهنا القرآن . وهو ذكره الذي أنزله على رسوله . به طمأنينة قلوب المؤمنين . فإن القلب لا يطمئن إلا بالإيمان واليقين . ولا سبيل إلى حصول الإيمان واليقين إلا من القرآن . فإن سكون القلب وطمأنينته من يقينه . واضطرابه وقلقه من شكه . والقرآن هو المحصل لليقين ، الدافع للشكوك والظنون والأوهام ، فلا تطمئن قلوب المؤمنين إلا به . وهذا القول هو المختار .
وكذلك القولان أيضا في قوله تعالى :
ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين .
والصحيح : أن ذكره الذي أنزله على رسوله - وهو كتابه - من أعرض عنه : قيض له شيطانا يضله ويصده عن السبيل . وهو يحسب أنه على هدى .
وكذلك القولان أيضا في قوله تعالى :
ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى .
والصحيح : أنه ذكره الذي أنزله على رسوله - وهو كتابه - ولهذا يقول المعرض عنه :
رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى .
وأما تأويل من تأوله على الحلف : ففي غاية البعد عن المقصود . فإن ذكر الله
[ ص: 481 ] بالحلف يجري على لسان الصادق والكاذب ، والبر والفاجر ، والمؤمنون تطمئن قلوبهم إلى الصادق ولو لم يحلف . ولا تطمئن قلوبهم إلى من يرتابون فيه ولو حلف .
وجعل الله سبحانه الطمأنينة في قلوب المؤمنين ونفوسهم ، وجعل الغبطة والمدحة والبشارة بدخول الجنة لأهل الطمأنينة . فطوبى لهم وحسن مآب .
وفي قوله تعالى :
ياأيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك دليل على أنها لا ترجع إليه إلا إذا كانت مطمئنة . فهناك ترجع إليه . وتدخل في عباده . وتدخل جنته . وكان من دعاء بعض السلف اللهم هب لي نفسا مطمئنة إليك .