فصل
قال صاحب " المنازل " :
الطمأنينة : سكون يقويه أمن صحيح ، شبيه بالعيان . وبينها وبين السكينة فرقان
أحدهما : أن السكينة صولة تورث خمود الهيبة أحيانا . والطمأنينة سكون أمن في استراحة أنس .
والثاني : أن السكينة تكون نعتا . وتكون حينا بعد حين ، والطمأنينة لا تفارق صاحبها .
الطمأنينة موجب السكينة . وأثر من آثارها . وكأنها نهاية السكينة .
فقوله : سكون يقويه أمن أي سكون القلب مع قوة الأمن الصحيح الذي لا يكون أمن غرور . فإن القلب قد يسكن إلى أمن الغرور . ولكن لا يطمئن به لمفارقة ذلك السكون له . والطمأنينة لا تفارقه ، فإنها مأخوذة من الإقامة . يقال : اطمأن بالمكان والمنزل : إذا أقام به .
وسبب صحة هذا الأمن المقوي للسكون : شبهه بالعيان . بحيث لا يبقى معه شيء من مجوزات الظنون والأوهام . بل كأن صاحبه يعاين ما يطمئن به . فيأمن به اضطراب قلبه وقلقه وارتيابه .
وأما الفرقان اللذان ذكرهما بينها وبين السكينة . فحاصل الفرق الأول : أن السكينة تصول على الهيبة الحاصلة في القلب . فتخمدها في بعض الأحيان . فيسكن
[ ص: 482 ] القلب من انزعاج الهيبة بعض السكون . وذلك في بعض الأوقات . فليس حكما دائما مستمرا . وهذا يكون لأهل الطمأنينة دائما . ويصحبه الأمن والراحة بوجود الأنس . فإن الاستراحة في السكينة قد تكون من الخوف والهيبة فقط . والاستراحة في منزلة الطمأنينة تكون مع زيادة أنس . وذلك فوق مجرد الأمن ، وقدر زائد عليه .
وحاصل الفرق الثاني : أن الطمأنينة ملكة ، ومقام لا يفارق . والسكينة تنقسم إلى سكينة هي مقام ونعت لا يزول وإلى سكينة تكون وقتا دون وقت . هذا حاصل كلامه .
والذي يظهر لي في الفرق بينهما أمران ، سوى ما ذكر .
أحدهما : أن ظفره وفوزه بمطلوبه الذي حصل له السكينة بمنزلة من واجهه عدو يريد هلاكه ، فهرب منه عدوه ، فسكن روعه . والطمأنينة بمنزلة حصن رآه مفتوحا فدخله . وأمن فيه . وتقوى بصاحبه وعدته . فللقلب ثلاثة أحوال .
أحدها : الخوف والاضطراب والقلق من الوارد الذي يزعجه ويقلقه .
الثاني : زوال ذلك الوارد الذي يزعجه ويقلقه عنه وعدمه .
الثالث : ظفره وفوزه بمطلوبه الذي كان ذلك الوارد حائلا بينه وبينه .
وكل منهما يستلزم الآخر ويقارنه . فالطمأنينة تستلزم السكينة ولا تفارقها . وكذلك بالعكس . لكن استلزام الطمأنينة للسكينة أقوى من استلزام السكينة للطمأنينة .
الثاني : أن الطمأنينة أعم ، فإنها تكون في العلم والخبر به ، واليقين والظفر بالمعلوم . ولهذا اطمأنت القلوب بالقرآن لما حصل لها الإيمان به ، ومعرفته والهداية به في ظلم الآراء والمذاهب . واكتفت به منه ، وحكمته عليها وعزلتها . وجعلت له الولاية بأسرها كما جعلها الله . فبه خاصمت ، وإليه حاكمت . وبه صالت . وبه دفعت الشبه .
وأما السكينة : فإنها ثبات القلب عند هجوم المخاوف عليه ، وسكونه وزوال قلقه واضطرابه ، كما يحصل لحزب الله عند مقابلة العدو وصولته . والله سبحانه أعلم .