فصل
قال : وهي على ثلاث درجات الدرجة الأولى :
همة تصون القلب عن وحشة الرغبة في الفاني ، وتحمله على الرغبة في الباقي ، وتصفيه من كدر التواني .
الفاني الدنيا وما عليها . أي يزهد القلب فيها وفي أهلها . وسمى الرغبة فيها وحشة لأنها وأهلها توحش قلوب الراغبين فيها ، وقلوب الزاهدين فيها .
أما الراغبون فيها : فأرواحهم وقلوبهم في وحشة من أجسامهم . إذ فاتها ما خلقت له . فهي في وحشة لفواته .
وأما الزاهدون فيها : فإنهم يرونها موحشة لهم . لأنها تحول بينهم وبين مطلوبهم ومحبوبهم . ولا شيء أوحش عند القلب مما يحول بينه وبين مطلوبه ومحبوبه . ولذلك كان من نازع الناس أموالهم ، وطلبها منهم أوحش شيء إليهم وأبغضه .
وأيضا : فالزاهدون فيها : إنما ينظرون إليها بالبصائر . والراغبون ينظرون إليها بالأبصار فيستوحش الزاهد مما يأنس به الراغب . كما قيل :
وإذا أفاق القلب واندمل الهوى رأت القلوب ولم تر الأبصار
وكذلك هذه الهمة تحمله على الرغبة في الباقي لذاته . وهو الحق سبحانه . والباقي بإبقائه : هو الدار الآخرة .
[ ص: 7 ] وتصفيه من كدر التواني أي تخلصه وتمحصه من أوساخ الفتور والتواني ، الذي هو سبب الإضاعة والتفريط . والله أعلم .