فصل
قال صاحب المنازل رحمه الله :
المحبة : تعلق القلب بين الهمة والأنس .
[ ص: 35 ] يعني : تعلق القلب بالمحبوب تعلقا مقترنا بهمة المحب ، وأنسه بالمحبوب ، في حالتي بذله ومنعه ، وإفراده بذلك التعلق . بحيث لا يكون لغيره فيه نصيب .
وإنما أشار إلى أنها بين الهمة والأنس لأن المحبة لما كانت هي نهاية شدة الطلب ، وكان المحب شديد الرغبة والطلب : كانت الهمة من مقومات حبه ، وجملة صفاته . ولما كان الطلب بالهمة قد يعرى عن الأنس ، وكان المحب لا يكون إلا مستأنسا بجمال محبوبه ، وطمعه بالوصول إليه . فمن هذين يتولد الأنس : وجب أن يكون المحب موصوفا بالأنس . فصارت المحبة قائمة بين الهمة والأنس .
ويريد بالبذل والمنع أحد أمرين : إما بذل الروح والنفس لمحبوبه ، ومنعها عن غيره . فيكون البذل والمنع صفة المحب ، وإما بذل الحبيب ومنعه . فتتعلق همة المحب به في حالتي بذله ومنعه .
ويريد بالإفراد معنيين : إما إفراد المحبوب وتوحيده بذلك التعلق . وإما فناءه في محبته ، بحيث ينسى نفسه وصفاته في ذكر محاسن محبوبه ، حتى لا يبقى إلا المحبوب وحده .
والمقصود : إفراد المحب لمحبوبه بالتوحيد والمحبة . والله أعلم .