فصل
قال : وهي على ثلاث
درجات .
الدرجة الأولى : محبة تقطع الوساوس ، وتلذ الخدمة . وتسلي عن المصائب .
قوله " تقطع الوساوس " فإن الوساوس والمحبة متناقضان . فإن المحبة توجب استيلاء ذكر المحبوب على القلب . والوساوس تقتضي غيبته عنه ، حتى توسوس له نفسه بغيره . فبين المحبة والوساوس تناقض شديد ، كما بين الذكر والغفلة .
فعزيمة المحبة : تنفي تردد القلب بين المحبوب وغيره . وذلك سبب الوساوس ، وهيهات أن يجد المحب الصادق فراغا لوسواس الغير ، لاستغراق قلبه في حضوره بين يدي محبوبه . وهل الوسواس إلا لأهل الغفلة والإعراض عن الله تعالى ؟ ومن أين يجتمع الحب والوسواس ؟
لا كان من لسواك فيه بقية فيها يقسم فكره ويوسوس
.
قوله " وتلذ الخدمة " أي المحب يلتذ بخدمة محبوبه . فيرتفع عن رؤية التعب الذي يراه الخلي في أثناء الخدمة . وهذا معلوم بالمشاهدة .
قوله " وتسلي عن المصائب " فإن المحب يجد في لذة المحبة ما ينسيه المصائب ولا يجد من مسها ما يجد غيره ، حتى كأنه قد اكتسى طبيعة ثانية ليست طبيعة الخلق . بل يقوى سلطان المحبة ، حتى يلتذ المحب بكثير من المصائب التي يصيبه بها حبيبه أعظم من التذاذ الخلي بحظوظه وشهواته . والذوق والوجود شاهد بذلك والله أعلم .