قال : وهو
على ثلاث درجات .
الأولى : دهشة المريد عند صولة الحال على علمه ، والوجد على طاقته ، والكشف على همته
يعني : أن علمه يقتضي شيئا ، وحاله يصول عليه بخلافه . فهذا غايته : أن يكون معذورا إن لم يكن مفرطا . فإن الحال لا يصول على العلم إلا وأحدهما فاسد . إما الصائل ، أو المصول عليه . فإذا اقتضى العلم سكونا ، فصال عليه الحال بحركته : فهي حركة فاسدة . غاية صاحبها : أن يكون معذورا لا مشكورا . فإذا اقتضى العلم حركة ، فصال الحال عليه بسكونه : فهو سكون فاسد .
مثال الأول : اقتضاء العلم للسكون والخشوع عند وارد السماع القرآني . وصولة الحال عليه ، حتى يزعق ويشق ثيابه ، أو يلقي نفسه لورود ما يدهشه من معاني المسموع على قلبه . فيصول حاله على عمله ، حتى لو كان في صلاة فرض ، لأبطلها وقطعها .
ومثال الثاني : اقتضاء العلم حركة مفرقة في رضا المحبوب . فيصول الحال عليها بسكونه وجمعيته ، حتى يقهرها . وهذه من مقاطع القوم وآفاتهم . وما نجا منها إلا أهل البصائر منهم ، العاملون على تجريد العبودية . وكثرة صور هذا مغنية عن كثرة الأمثلة .
فإن أكثرهم يقدم حال الجمعية على ملابسة الأغيار والأعداء في الجهاد ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . ويصول حال الجمعية عنده على الحركة التي يأمر بها العلم . كما صالت حركة الأول على السكون الذي يأمر به العلم .
قوله " والوجد على الطاقة " يعني : أن وجد المحب ربما غلب صبره . وصال على طاقته . فصرخ إلى محبوبه ، واستغاث به ، حتى يأتي النصر من عنده . بل صراخه به واستغاثته به عين نصره إياه ، حيث حفظ عليه وجده . ولم يرده فيه إلى صبر يسلو به ويجفو . فيكون ذلك نوع طرد .
قوله " والكشف على همته " يعني أن الهمة تستدعي صدق الطلب ودوامه ، والكشف : هو الشهود . وهو في مظنة فسخ الهمة وإبطال حكمها . لأنها تقتضي الطلب . وهو يقتضي الفتور . لأن الطلب للغائب عن المطلوب ، فهمته متعلقة
[ ص: 77 ] بتحصيله . وصاحب الكشف : في حضور مع مطلوبه . فكشفه صائل على همته ، كما قال بعضهم : إذا برقت بارقة من بوارق الحقيقة لم يبق معها حال ولا همة .
وهذا أيضا عارض مطلوب الزوال . والبقاء معه انقطاع كلي . فإن السالك في همة ، ما دامت روحه في جسده . فإذا فارقته الهمة انقطع واستحسر .