فصل البرق
ومن أنوار " إياك نعبد وإياك نستعين " نور البرق
الذي يبدو للعبد عند دخوله في طريق الصادقين
وهو لامع يلمع لقلبه . يشبه لامع البرق .
قال صاحب المنازل : البرق : باكورة تلمع للعبد . فتدعوه إلى الدخول في هذه الطريق .
[ ص: 82 ] واستشهد عليه بقوله تعالى
وهل أتاك حديث موسى إذ رأى نارا فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا .
ووجه الاستشهاد : أن النار التي رآها
موسى كانت مبدأ في طريق نبوته .
و " البرق " مبدأ في طريق الولاية التي هي وراثة النبوة .
وقوله " باكورة : الباكورة هي أول الشيء ، ومنه باكورة الثمار . وهو لما سبق نوعه في النضج .
وقوله " يلمع للعبد " أي يبدو له ويظهر " فتدعوه إلى الدخول في هذه الطريق " ولم يرد طريق أهل البدايات . فإن تلك هي اليقظة التي ذكرها في أول كتابه ، وإنما أراد : طريق أرباب التوسط والنهايات .
وعلى هذا : فالبرق - الذي أشار إليه - هو برق الأحوال ، لا برق الأعمال ، أو برق لا سبب له من السالك . إنما هو مجرد موهبة .
والدليل على أنه أراد ما يحصل لأرباب التوسط والنهايات : أنه أخذ - بعد تعريفه - يفرق بينه وبين الوجد .
فقال : والفرق بينه وبين الوجد : أن الوجد يقع بعد الدخول فيه . والبرق قبله . فالوجد زاد . والبرق إذن .
يريد : أن البرق نور يقذفه الله في قلب العبد ، ويبديه له . فيدعوه به إلى الدخول في الطريق . والوجد هو شدة الطلب ، وقوته الموجبة لتأجيج اللهيب من الشهود ، كما تقدم .
و " الوجد زاد " يعني : أنه يصحب السالك كما يصحبه زاده . بل هو من نفائس زاده و " البرق إذن " يعني إذنا في السلوك ، والإذن إنما يفسح للسالك في المسير لا غير .