فصل
الصنف الثالث :
الذين زعموا أن فائدة العبادة رياضة النفوس ، واستعدادها لفيض العلوم عليها ، وخروج قواها عن قوى النفوس السبعية والبهيمية ، فلو عطلت عن
[ ص: 117 ] العبادات لكانت من جنس نفوس السباع والبهائم ، والعبادات تخرجها عن مألوفاتها وعوائدها ، وتنقلها إلى مشابهة العقول المجردة ، فتصير عالمة قابلة لانتقاش صور العلوم والمعارف فيها ، وهذا يقوله طائفتان :
إحداهما : من يقرب إلى النبوات والشرائع من الفلاسفة القائلين بقدم العالم ، وعدم انشقاق الأفلاك ، وعدم الفاعل المختار .
الطائفة الثانية : من تفلسفت من صوفية الإسلام ، وتقرب إلى الفلاسفة ، فإنهم يزعمون أن العبادات رياضات لاستعداد النفوس وتجردها ، ومفارقتها العالم الحسي ، ونزول الواردات والمعارف عليها .
ثم من هؤلاء من لا يوجب العبادات إلا لهذا المعنى ، فإذا حصل لها بقي مخيرا في حفظه أو رده ، أو الاشتغال بالوارد عنها ، ومنهم من يوجب القيام بالأوراد والوظائف ، وعدم الإخلال بها ، وهم صنفان أيضا :
أحدهما : من يوجبونه حفظا للقانون ، وضبطا للنفوس .
والآخرون : الذين يوجبونه حفظا للوارد ، وخوفا من تدرج النفس بمفارقتها له إلى حالتها الأولى من البهيمية .
فهذه نهاية أقدام المتكلمين على طريق السلوك ، وغاية معرفتهم بحكم العبادة وما شرعت لأجله ، ولا تكاد تجد في كتب القوم غير هذه الطرق الثلاثة ، على سبيل الجمع ، أو على سبيل البدل .