فصل
قال صاحب المنازل :
السرور : اسم لاستبشار جامع . وهو أصفى من الفرح . لأن الأفراح ربما شابها الأحزان . ولذلك نزل القرآن باسمه في أفراح الدنيا في مواضع . وورد السرور
[ ص: 151 ] في موضعين من القرآن في حال الآخرة .
السرور والمسرة : مصدر سره سرورا ومسرة . وكأن معنى سره : أثر في أسارير وجهه . فإنه تبرق منه أسارير الوجه . كما قال شاعر العرب :
وإذا نظرت إلى أسرة وجهه برقت كبرق العارض المتهلل
وهذا كما يقال : رأسه; إذا أصاب رأسه ، وبطنه وظهره; إذا أصاب بطنه وظهره ، وأمه; إذا أصاب أم رأسه .
وأما الاستبشار : فهو استفعال من البشرى . والبشارة : هي أول خبر صادق سار .
و " البشرى " يراد بها أمران . أحدهما : بشارة المخبر . والثاني : سرور المخبر . قال الله تعالى :
لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة . فسرت البشرى بهذا وهذا . ففي حديث
nindex.php?page=showalam&ids=63عبادة بن الصامت . و
nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء رضي الله عنهما . عن النبي صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=980622هي الرؤيا الصالحة يراها المسلم ، أو ترى له .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : بشرى الحياة الدنيا : هي عند الموت تأتيهم ملائكة الرحمة بالبشرى من الله ، وفي الآخرة : عند خروج نفس المؤمن إذا خرجت يعرجون بها إلى الله ، تزف كما تزف العروس ، تبشر برضوان الله .
وقال
الحسن : هي الجنة . واختاره
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج و
الفراء . وفسرت بشرى الدنيا بالثناء الحسن ، يجري له على ألسنة الناس . وكل ذلك صحيح .
فالثناء : من البشرى ، والرؤيا الصالحة من البشرى ، وتبشير الملائكة له عند
[ ص: 152 ] الموت من البشرى . والجنة من أعظم البشرى . قال الله تعالى
وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار . وقال تعالى :
وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون .
قيل : وسميت بذلك لأنها تؤثر في بشرة الوجه . ولذلك كانت نوعين : بشرى سارة تؤثر فيه نضارة وبهجة ، وبشرى محزنة تؤثر فيه بسورا وعبوسا . ولكن إذا أطلقت كانت للسرور . وإذا قيدت كانت بحسب ما تقيد به .
قوله " وهو أصفى من الفرح " واحتج على ذلك بأن الأفراح ربما شابها أحزان ، أي ربما مازجها ضدها . بخلاف السرور .
فيقال : والمسرات ربما شابها أنكاد وأحزان فلا فرق .
قوله : ولذلك نزل القرآن باسمه في أفراح الدنيا في مواضع
يريد : أن
الله تعالى نسب الفرح إلى أحوال الدنيا في قوله تعالى :
حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة وفي قوله تعالى :
لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين وقوله تعالى :
إنه لفرح فخور . فإن الدنيا لا تتخلص أفراحها من أحزانها وأتراحها ألبتة . بل ما من فرحة إلا ومعها ترحة سابقة ، أو مقارنة ، أو لاحقة . ولا تتجرد الفرحة . بل لا بد من ترحة تقارنها . ولكن قد تقوى الفرحة على الحزن فينغمر حكمه وألمه مع وجودها . وبالعكس .
فيقال : ولقد نزل القرآن أيضا بالفرح في أمور الآخرة في مواضع ، كقوله تعالى :
فرحين بما آتاهم الله من فضله . وقوله تعالى :
فبذلك فليفرحوا فلا فرق بينهما من هذا الوجه الذي ذكره .
قوله : وورد اسم السرور في القرآن في موضعين في حال الآخرة .
يريد بهما : قوله تعالى
فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا وينقلب إلى أهله مسرورا [ ص: 153 ] والموضع الثاني : قوله :
ولقاهم نضرة وسرورا .
فيقال :
وورد السرور في أحوال الدنيا في موضع على وجه الذم . كقوله تعالى :
وأما من أوتي كتابه وراء ظهره فسوف يدعو ثبورا ويصلى سعيرا إنه كان في أهله مسرورا .
فقد رأيت ورود كل واحد من الفرح والسرور في القرآن بالنسبة إلى أحوال الدنيا وأحوال الآخرة . فلا يظهر ما ذكره من الترجيح .
بل قد يقال : الترجيح للفرح : لأن الرب تبارك وتعالى يوصف به . ويطلق عليه اسمه دون السرور ، فدل على أن معناه أكمل من معنى السرور ، وأمر الله به في قوله تعالى
فبذلك فليفرحوا وأثنى على السعداء به في قوله :
فرحين بما آتاهم الله من فضله .
وأما قوله تعالى
ولقاهم نضرة وسرورا وقوله
وينقلب إلى أهله مسرورا فعدل إلى لفظ السرور لاتفاق رءوس الآي . ولو أنه ترجم الباب بباب الفرح ، لكان أشد مطابقة للآية التي استشهد بها . والأمر في ذلك قريب . فالمقصود أمر وراء ذلك .