فصل الغرق
قال شيخ الإسلام :
( باب
الغرق ) قال الله تعالى :
فلما أسلما وتله للجبين هذا اسم يشار به في هذا الباب إلى من توسط المقام ، وجاوز حد التفرق .
وجه استدلاله بإشارة الآية : أن
إبراهيم صلى الله عليه وسلم لما بلغ ما بلغ هو وولده في المبادرة إلى الامتثال ، والعزم على إيقاع الذبح المأمور به : ألقاه الوالد على جبينه في الحال وأخذ الشفرة وأهوى إلى حلقه ، أعرض في تلك الحال عن نفسه وولده ،
[ ص: 196 ] وفني بأمر الله عنهما ، فتوسط بحر جمع السر والقلب والهم على الله ، وجاوز حد التفرقة المانعة من امتثال هذا الأمر .
قوله : "
فلما أسلما " استسلما وانقادا لأمر الله ، فلم يبق هناك منازعة لا من الوالد ولا من الولد ، بل استسلام صرف وتسليم محض .
قوله : "
وتله للجبين " أي : صرعه على جبينه ، وهو جانب الجبهة الذي يلي الأرض عند النوم ، وتلك هي هيئة ما يراد ذبحه .
قوله : " توسط المقام " لا يريد به مقاما معينا ، ولذلك أبهمه ولم يقيده و " المقام " عندهم : منزل من منازل السالكين ، وهو يختلف باختلاف مراتبه ، وله بداية وتوسط ونهاية ، ف " الغرق " المشار إليه : أن يصير في وسط المقام .
فإن قيل : الغرق أخص بنهاية المقام من توسطه ؛ لأنه استغراق فيه بحيث يستغرق قلبه وهمه ، فكيف جعله الشيخ توسطا فيه ؟
قلت : لما كانت همة الطالب في هذه الحال مجموعة على المقصود ، وهو معرض عما سواه ، قد فارق مقام التفرقة ، وجاوز حدها إلى مقام الجمع ، فابتدأ في المقام وأول كل مقام يشبه آخر الذي قبله فلما توسط فيه استغرق قلبه وهمه وإرادته ، كما يغرق من توسط اللجة فيها قبل وصوله إلى آخرها .