قال الشيخ :
الغيبة التي يشار إليها في هذا الباب على ثلاث درجات ؛ الأولى :
غيبة المريد في تخلص القصد عن أيدي العلائق ، ودرك العوائق لالتماس الحقائق .
يريد غيبة المريد عن بلده ووطنه وعاداته ، في محل تخليص القصد وتصحيحه ليقطع بذلك العلائق ، وهي ما يتعلق بقلبه وقالبه وحسه من المألوفات ، ويسبق العوائق حتى لا تلحقه ولا تدركه .
قوله : " لالتماس الحقائق " متعلق بقوله : " غيبة المريد " أي : هذه الغيبة لالتماس الحقائق ، فإن العوائق والعلائق تحول بينه وبين طلبها وحصولها لمضادتها لها .
والحقائق جمع حقيقة ، ويراد بها الحق تعالى وما نسب إليه فهو الحق ، وقوله الحق ، ووعده الحق ، ولقاؤه الحق ، ورسوله حق ، وعبوديته وحده حق ، وعبودية ما سواه الباطل ، فكل شيء ما خلا الله باطل .
والمقصود : أن المريد إن لم يتخلص قصده في مطلوبه عما يعوقه من الشواغل أو ما يدركه من المعوقات ؛ لم يبلغ مقصوده ، ولم يصل إليه ، وإن وصل إليه فبعد جهد شديد ومشقة ، بسبب تلك الشواغل ، ولم يصل القوم إلى مطلبهم إلا بقطع العلائق ورفض الشواغل .