فصل
قال : الدرجة الثانية :
غيبة السالك عن رسوم العلم ، وعلل السعي ، ورخص الفتور .
[ ص: 201 ] يريد : أنه ينتقل عن أحكام العلم إلى الحال ، وهذا كلام فيه إجمال ، فالملحد يفهم منه : أنه يفارق أحكام العلم ، ويقف مع أحكام الحال ، وهذا زندقة وإلحاد .
والموحد يفهم منه : أنه ينتقل من أحكام العلم وحده إلى أحكام الحال المصاحب للعلم ، فإن العلم الخالي عن الحال ضعف في الطريق ، والحال المجرد عن العلم ضلال عن الطريق ، ومن عبد الله بحال مجرد عن علم لم يزدد من الله إلا بعدا .
قوله : " وعلل السعي " يعني : أن السالك يغيب عن علل سعيه وعمله .
وهذه العلل عندهم : هي اعتقاده أنه يصل بها إلى الله ، وسكونه إليها ، وفرحه بها ورؤيتها ، فيغيب عن هذه العلل .
ومراده بغيبته عنها : إعدامها حتى لا تحضره ، لا أنه يغيب عنها وهي موجودة قائمة ، نعم ؛ إذا اعتقد أن الله يوصله إليه بها ، ويفرح بها من جهة الفضل والمنة وسبق الأولية ، لا من جهة الاكتساب والفعل لم يضره ذلك ، بل هذا أكمل ، وهو في الحقيقة سكون إلى الله تعالى وفرح به ، واعتقاد أنه هو الموصل لعبده إليه بما منه وحده ، لا بحول العبد وقوته ، فهذا لون وهذا لون .
والحاصل : أنه إذا انتقل عن أحكام العلم المجرد إلى أحكام الحال المصاحب للعلم غابت عنه علل السعي .
وكذلك تغيب عنه رخص الفتور فلا ينظر إلى عزيمة السعي ، ولا يقف مع رخص الفتور ، فهما آفتان للسالك ، فإنه إما أن يجرد عزمه وهمته ، فينظر إلى ما منه ، وأن همته وعزيمته تحمله وتقوم به ، وإما أن يترخص برخص تفتر عزمه وهمته ، فكمال جده وصدقه وصحة طلبه يخلصه من رخص الفتور ، وكمال توحيده ومعرفته بربه ونفسه يخلصه من علل السعي .