فصل
المرتبة السابعة من مراتب الحياة :
حياة الأخلاق ، والصفات المحمودة ، التي هي حياة راسخة للموصوف بها ، فهو لا يتكلف الترقي في درجات الكمال ، ولا يشق عليه ، لاقتضاء أخلاقه وصفاته لذلك ، بحيث لو فارقه ذلك لفارق ما هو من طبيعته وسجيته ، فحياة من قد طبع على الحياء والعفة والجود والسخاء ، والمروءة والصدق والوفاء ونحوها أتم من حياة من يقهر نفسه ، ويغالب طبعه ، حتى يكون كذلك ، فإن هذا بمنزلة من تعارضه أسباب الداء وهو يعالجها ويقهرها بأضدادها ، وذلك بمنزلة من قد عوفي من ذلك .
وكلما كانت هذه الأخلاق في صاحبها أكمل كانت حياته أقوى وأتم ، ولهذا كان خلق الحياء مشتقا من الحياة اسما وحقيقة ، فأكمل الناس حياة : أكملهم حياء ، ونقصان حياء المرء من نقصان حياته ، فإن الروح إذا ماتت لم تحس بما يؤلمها من القبائح ، فلا تستحي منها ، فإذا كانت صحيحة الحياة أحست بذلك ، فاستحيت منه ، وكذلك سائر الأخلاق الفاضلة ، والصفات الممدوحة تابعة لقوة الحياة ، وضدها من نقصان الحياة ، ولهذا كانت حياة الشجاع أكمل من حياة الجبان ، وحياة السخي أكمل من حياة البخيل ، وحياة الفطن الذكي أكمل من حياة الفدم البليد ، ولهذا لما كان الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أكمل الناس حياة حتى إن قوة حياتهم تمنع الأرض أن تبلي أجسامهم كانوا أكمل الناس في هذه الأخلاق ، ثم الأمثل فالأمثل من أتباعهم .
فانظر الآن إلى حياة
حلاف مهين هماز مشاء بنميم ،
مناع للخير معتد أثيم ،
عتل بعد ذلك زنيم ، وحياة جواد شجاع ، بر عادل عفيف محسن تجد الأول ميتا بالنسبة إلى الثاني ، ولله در القائل :
وما للمرء خير في حياة إذا ما عد من سقط المتاع