فصل
وقد
تكلم في " الوجود " الفلاسفة والمتكلمون والاتحادية بما هو أبعد شيء عن الصواب : هل وجود الشيء عين ماهيته ، أو غير ماهيته ؟ أو وجود القديم نفس ماهيته ؟ أو وجود الحادث زائد على ماهيته ؟
وكل هذه الأقوال خطأ ، وأصحابها كخابط عشواء .
والتحقيق : أن
الوجود والماهية إن أخذا ذهنيين فالوجود الذهني عين الماهية الذهنية ، وكذلك إن أخذا خارجيين : اتحدا أيضا ، فليس في الخارج وجود زائد على الماهية الخارجية ، بحيث يكون كالثوب المشتمل على البدن ، هذا خيال محض ، وكذلك حصول الماهية في الذهن هو عين وجودها ، فليس في الذهن ماهية ووجود متغايرين ، بل إن أخذ أحدهما ذهنيا والآخر خارجيا ، فأحدهما غير الآخر ، وليس المقصود بحث هذه المسألة ، فإنها بعيدة عما نحن فيه ، وهي من وظائف أرباب الجدل والكلام والفلسفة ، لا من وظائف أرباب القلوب والمعاملات ، فهؤلاء هممهم في أن يجدوا مطلوبهم ، ويظفروا به ، وأولئك شاكون في وجوده : هل هو عين ماهيته ، أو زائد على ماهيته ؟ وهل هو وجود مطلق لا يضاف إليه وصف ولا اسم ؟ أم وجود خاص تضاف إليه الصفات والأسماء ؟ فهؤلاء في واد وهؤلاء في واد .
وأعظم الخلق كفرا وضلالا : من زعم أن ربه نفس وجود هذه الموجودات ، وأن عين وجوده فاض عليها فاكتست عين وجوده ، فاتخذ حجابا من أعيانها ، واكتست جلبابا من وجوده ، ولبس عليهم ما لبسوه على ضعفاء العقول والبصائر من عدم
التفريق بين وجود الحق سبحانه وإيجاده ، وأن إيجاده هو الذي فاض عليها ، وهو الذي اكتسته ، وأما وجوده : فمختص به لا يشاركه فيه غيره ، كما هو مختص بماهيته وصفاته ، فهو بائن عن خلقه ، والخلق بائنون عنه ، فوجود ما سواه مخلوق كائن بعد أن
[ ص: 383 ] لم يكن ، حاصل بإيجاده له ، فهو الذي أعطى كل شيء خلقه ، ووجوده المختص به ، وبان بذاته وصفاته ووجوده عن خلقه .