فصل
قال :
الدرجة الثانية : تجريد عين الجمع عن درك العلم .
" عين الجمع " هي حقيقة الجمع ، وتجريده هو أن لا يشهد للعلم فيها آثارا ، فإن العلم من آثار الرسوم ، وحقيقة الجمع تمحو الرسوم ، فصاحب هذه الدرجة أبدا في تجرد وتجريد ، والدرك هو الإدراك في هذا الموضع ، ويحتمل أن يراد به أن درجة العلم أسفل من درجة عين الجمع ، فيجرد الجمع عن الدرجة التي هي أسفل منه ، وقد اعترفوا بأن هذا حال المولهين في الاستغراق في الجمع .
ولعمر الله إن ذلك ليس بكمال ، وهو أصل من أصول الانحلال ، فإنه إذا تجرد من العلم وما يوجبه ؛ فقد خرج من النور الذي يكشف له الحقائق ، ويميز له بين الحق والباطل ، والصحيح والفاسد ، فالكشف وشهود الحقيقة إذا تجرد عن العلم : فقد ينسلخ صاحبه عن أصل الإيمان وهو لا يشعر .
وأحسن من هذا أن يقال : هو تجريد الجمع عن الوقوف مع مجرد العلم ، فلا يرضى بالعلم عن مقام جمعية حاله وقلبه وهمه على الله ، بل يرتقي من درجة العلم إلى درجة الجمع مصاحبا للعلم ، غير مفارق لأحكامه ، ولا جاعل له غاية يقف عندها .