مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين

ابن القيم - أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية

صفحة جزء
فصل

فالجهمية والمعتزلة : تزعم أن ذاته لا تحب ، ووجهه لا يرى ، ولا يلتذ بالنظر إليه ، ولا تشتاق القلوب إليه ، فهم في الحقيقة منكرون الإلهية .

والقدرية : تنكر دخول أفعال الملائكة والجن والإنس وسائر الحيوان تحت قدرته ومشيئته وخلقه ، فهم منكرون في الحقيقة لكمال عزه وملكه .

والجبرية : تنكر حكمته ، وأن يكون له في أفعاله وأوامره غاية يفعل ويأمر لأجلها ، فهم منكرون في الحقيقة لحكمته وحمده .

وأتباع ابن سينا ، و النصير الطوسي وفروخهما : ينكرون أن يكون ماهية غير الوجود المطلق ، وأن يكون له وصف ثبوتي زائد على ماهية الوجود ، فهم في الحقيقة منكرون لذاته وصفاته وأفعاله ، لا يتحاشون من ذلك .

والاتحادية : أدهى وأمر ، فإنهم رفعوا القواعد من الأصل ، وقالوا : ما ثم وجود خالق ووجود مخلوق ، بل الخلق المشبه هو عين الحق المنزه ، كل ذلك من عين واحدة ، بل هو العين الواحدة .

فهذه الشهادة العظيمة : كل هؤلاء هم بها غير قائمين ، وهي متضمنة لإبطال ما هم عليه ورده ، كما تضمنت إبطال ما عليه المشركون ورده ، وهي مبطلة لقول طائفتي الشرك والتعطيل ، ولا يقوم بهذه الشهادة إلا أهل الإثبات الذين يثبتون لله ما أثبته لنفسه من الأسماء والصفات ، وينفون عنه مماثلة المخلوقات ، ويعبدونه وحده لا يشركون به شيئا .

التالي السابق


الخدمات العلمية