فصل
الركن الثاني من أركان المحاسبة :
وهي
أن تميز ما للحق عليك وبين ما لك وما عليك من وجوب العبودية ، والتزام الطاعة ، واجتناب
[ ص: 191 ] المعصية ، وبين ما لك وما عليك ، فالذي لك : هو المباح الشرعي ، فعليك حق ، ولك حق ، فأد ما عليك يؤتك ما لك .
ولابد من التمييز بين ما لك وما عليك ، وإعطاء كل ذي حق حقه .
وكثير من الناس يجعل كثيرا مما عليه من الحق من قسم ما له ، فيتحير بين فعله وتركه ، وإن فعله رأى أنه فضل قام به لا حق أداه .
وبإزاء هؤلاء من يرى كثيرا مما له فعله وتركه من قسم ما عليه فعله أو تركه ، فيتعبد بترك ما له فعله ، كترك كثير من المباحات ، ويظن ذلك حقا عليه ، أو يتعبد بفعل ما له تركه ويظن ذلك حقا عليه .
مثال الأول : من يتعبد بترك النكاح ، أو ترك أكل اللحم ، أو الفاكهة مثلا ، أو الطيبات من المطاعم والملابس ، ويرى - لجهله - أن ذلك مما عليه ، فيوجب على نفسه تركه ، أو يرى تركه من أفضل القرب ، وأجل الطاعات ، وقد أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على من زعم ذلك ، ففي الصحيح
nindex.php?page=hadith&LINKID=980157أن نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سألوا عن عبادته في السر فكأنهم تقالوها ، فقال أحدهم : أما أنا فلا آكل اللحم ، وقال الآخر : أما أنا فلا أتزوج النساء ، وقال الآخر : أما أنا فلا أنام على فراش ، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم مقالتهم ، فخطب ، وقال : ما بال أقوام يقول أحدهم : أما أنا فلا آكل اللحم ، ويقول الآخر : أما أنا فلا أتزوج ، ويقول الآخر : أما أنا فلا أنام على فراش ؟ لكني أتزوج النساء ، وآكل اللحم ، وأنام وأقوم ، وأصوم وأفطر ، فمن رغب عن سنتي فليس مني فتبرأ ممن رغب عن سنته ، وتعبد لله بترك ما أباحه لعباده من الطيبات ، رغبة عنه ، واعتقادا أن الرغبة عنه وهجره عبادة ، فهذا لم يميز بين ما عليه وما له .
ومثال الثاني : من يتعبد بالعبادات البدعية التي يظنها جالبة للحال ، والكشف والتصرف ، ولهذه الأمور لوازم لا تحصل بدونها البتة ، فيتعبد بالتزام تلك اللوازم فعلا وتركا ، ويراها حقا عليه ، وهي حق له ، وله تركها ، كفعل الرياضات ، والأوضاع التي
[ ص: 192 ] رسمها كثير من السالكين بأذواقهم ومواجيدهم واصطلاحاتهم ، من غير تمييز بين ما فيها من حظ العبد والحق الذي عليه ، فهذا لون وهذا لون .