فصل
الأصل الثاني : أن
الاسم من أسمائه تبارك وتعالى كما يدل على الذات والصفة التي اشتق منها بالمطابقة ، فإنه يدل عليه دلالتين أخريين بالتضمن واللزوم ، فيدل على الصفة بمفردها بالتضمن ، وكذلك على الذات المجردة عن الصفة ، ويدل على الصفة الأخرى باللزوم ، فإن اسم السميع يدل على ذات الرب وسمعه بالمطابقة ، وعلى الذات وحدها ، وعلى السمع وحده بالتضمن ، ويدل على اسم الحي وصفة الحياة بالالتزام ، وكذلك سائر أسمائه وصفاته ، ولكن يتفاوت الناس في معرفة اللزوم وعدمه ، ومن هاهنا
[ ص: 55 ] يقع اختلافهم في كثير من الأسماء والصفات والأحكام ، فإن من علم أن الفعل الاختياري لازم للحياة ، وأن السمع والبصر لازم للحياة الكاملة ، وأن سائر الكمال من لوازم الحياة الكاملة أثبت من أسماء الرب وصفاته وأفعاله ما ينكره من لم يعرف لزوم ذلك ، ولا عرف حقيقة الحياة ولوازمها ، وكذلك سائر صفاته .
فإن اسم العظيم له لوازم ينكرها من لم يعرف عظمة الله ولوازمها .
وكذلك اسم العلي ، واسم الحكيم وسائر أسمائه ، فإن من لوازم اسم العلي العلو المطلق بكل اعتبار ، فله العلو المطلق من جميع الوجوه : علو القدر ، وعلو القهر ، وعلو الذات ، فمن جحد علو الذات فقد جحد لوازم اسمه العلي .
وكذلك اسمه الظاهر من لوازمه : أن لا يكون فوقه شيء ، كما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم "
nindex.php?page=hadith&LINKID=980113وأنت الظاهر فليس فوقك شيء " بل هو سبحانه فوق كل شيء ، فمن جحد فوقيته سبحانه فقد جحد لوازم اسمه الظاهر ، ولا يصح أن يكون الظاهر هو من له فوقية القدر فقط ، كما يقال : الذهب فوق الفضة ، والجوهر فوق الزجاج; لأن هذه الفوقية تتعلق بالظهور ، بل قد يكون المفوق أظهر من الفائق فيها ، ولا يصح أن يكون ظهور القهر والغلبة فقط ، وإن كان سبحانه ظاهرا بالقهر والغلبة ، لمقابلة الاسم ب " الباطن " وهو الذي ليس دونه شيء ، كما قابل الأول الذي ليس قبله شيء ، ب " الآخر " الذي ليس بعده شيء .
وكذلك اسم " الحكيم " من لوازمه ثبوت الغايات المحمودة المقصودة له بأفعاله ، ووضعه الأشياء في موضعها ، وإيقاعها على أحسن الوجوه ، فإنكار ذلك إنكار لهذا الاسم ولوازمه ، وكذلك سائر أسمائه الحسنى .