[ ص: 2 ] ( بسم الله الرحمن الرحيم ) خطبة الكتاب للمصنف
الحمد لله العلي القادر القوي القاهر الرحيم الغافر الكريم الساتر ذي السلطان الظاهر ، والبرهان الباهر ، خالق كل شيء ، ومالك كل ميت ، وحي ، خلق فأحسن ، وصنع فأتقن ، وقدر فغفر ، وأبصر فستر ، وكرم فعفا ، وحكم فأخفى ، عم فضله ، وإحسانه ، وتم حجته ، وبرهانه ، وظهر أمره ، وسلطانه فسبحانه ما أعظم شأنه ، والصلاة ، والسلام على المبعوث بشيرا ، ونذيرا ، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا فأوضح الدلالة ، وأزاح الجهالة ، وفل السفه ، وثل الشبه : محمد سيد المرسلين ، وإمام المتقين ، وعلى آله الأبرار ، وأصحابه المصطفين الأخيار .
( وبعد ) فإنه لا علم بعد العلم بالله ، وصفاته أشرف من علم الفقه ، وهو المسمى بعلم الحلال ، والحرام ، وعلم الشرائع ، والأحكام ، له بعث الرسل ، وأنزل الكتب إذ لا سبيل إلى معرفته بالعقل المحض دون معونة السمع ، وقال الله تعالى {
يؤتي الحكمة من يشاء ، ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولوا الألباب } وقيل : في بعض وجوه التأويل هو علم الفقه ، وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما عبد الله بشيء أفضل من فقه في دين ، ولفقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد .
وروي أن رجلا قدم من الشام إلى عمر رضي الله عنه فقال : ما أقدمك قال : قدمت لأتعلم التشهد فبكى عمر حتى ابتلت لحيته ثم قال : والله إني لأرجو من الله أن لا يعذبك أبدا .
والأخبار ، والآثار في الحض على هذا النوع من العلم أكثر من أن تحصى ، وقد كثر تصانيف مشايخنا في هذا الفن قديما ، وحديثا ، وكلهم أفادوا ، وأجادوا غير أنهم لم يصرفوا العناية إلى الترتيب في ذلك سوى أستاذي وارث السنة ، ومورثها الشيخ الإمام الزاهد علاء الدين رئيس أهل السنة محمد بن أحمد بن أبي أحمد السمرقندي - رحمه الله تعالى - فاقتديت به فاهتديت إذ الغرض الأصلي ، والمقصود الكلي من التصنيف في كل فن من فنون العلم هو تيسير سبيل الوصول إلى المطلوب على الطالبين ، وتقريبه إلى أفهام المقتبسين ، ولا يلتئم هذا المراد إلا بترتيب تقتضيه الصناعة ، وتوجبه الحكمة ، وهو التصفح عن أقسام المسائل ، وفصولها ، وتخريجها على قواعدها ، وأصولها ليكون أسرع فهما ، وأسهل ضبطا ، وأيسر حفظا فتكثر الفائدة ، وتتوفر العائدة فصرفت العناية إلى ذلك ، وجمعت في كتابي
[ ص: 3 ] هذا جملا من الفقه مرتبة بالترتيب الصناعي ، والتأليف الحكمي الذي ترتضيه أرباب الصنعة ، وتخضع له أهل الحكمة مع إيراد الدلائل الجلية ، والنكت القوية بعبارات محكمة المباني مؤيدة المعاني ، وسميته ( الفقه على المذاهب الأربعة ) إذ هي صنعة بديعة ، وترتيب عجيب ، وترصيف غريب لتكون التسمية موافقة للمسمى ، والصورة مطابقة للمعنى وافق شن طبقه وافقه فاعتنقه فأستوفق الله تعالى لإتمام هذا الكتاب الذي هو غاية المراد ، والزاد للمرتاد ، ومنتهى الطلب ، وعينه تشفي الجرب ، والمأمول من فضله ، وكرمه أن يجعله وارثا في الغابرين ، ولسان صدق في الآخرين ، وذكرا في الدنيا ، وذخرا في العقبى ، وهو خير مأمول ، وأكرم مسئول .