بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
ولا يلبس ثوبا أصبغ بورس أو زعفران ، وإن لم يكن مخيطا لخبر ابن عمر رضي الله عنه ; ولأن الورس والزعفران طيب ، والمحرم ممنوع من استعمال الطيب في بدنه ولا يلبس المعصفر وهو : المصبوغ بالعصفر عندنا .

وقال الشافعي : يجوز واحتج بما روي أن عائشة رضي الله عنها لبست الثياب المعصفرة وهي محرمة وروي أن عثمان رضي الله عنه أنكر على عبد الله بن جعفر لبس المعصفر في الإحرام ، فقال علي : رضي الله عنه " ما أرى أن أحدا يعلمنا السنة " ولنا ما روي أن عمر رضي الله عنه أنكر على طلحة لبس المعصفر في الإحرام ، فقال طلحة : رضي الله عنه " إنما هو ممشق بمغرة " فقال عمر رضي الله عنه : " إن كم أئمة يقتدى بكم " فدل إنكار عمر واعتذار طلحة رضي الله عنهما على أن المحرم ممنوع من ذلك .

وفيه إشارة إلى أن الممشق مكروه أيضا ; لأنه قال : " إنكم أئمة يقتدى بكم " أي : من شاهد ذلك ربما يظن أنه مصبوغ بغير المغرة فيعتقد الجواز ، فكان سببا للوقوع في الحرام عسى فيكره ، ولأن المعصفر طيب ; لأن له رائحة طيبة فكان كالورس والزعفران .

وأما حديث عائشة رضي الله عنها فقد روي عنها أنها كرهت المعصفر في الإحرام ، أو يحمل على المصبوغ بمثل العصفر كالمغرة ونحوها ، وهو الجواب عن قول علي رضي الله عنه على أن قوله معارض بقول عثمان رضي الله عنه وهو : إنكاره فسقط الاحتجاج به للتعارض ، هذا إذا لم يكن مغسولا .

فأما إذا كان قد غسل حتى صار لا ينفض فلا بأس به ، لما روي عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { لا بأس أن يحرم الرجل في ثوب مصبوغ بورس ، أو زعفران قد غسل وليس له نفض ولا ردغ } وقوله صلى الله عليه وسلم " لا ينفض " له تفسيران منقولان عن محمد : روي عنه لا يتناثر صبغه .

وروي لا يفوح ريحه ، والتعويل على زوال الرائحة حتى لو كان لا يتناثر صبغه ، ولكن يفوح ريحه يمنع منه ; لأن ذلك دليل بقاء الطيب ، إذ الطيب ما له رائحة طيبة وكذا ما صبغ بلون الهروي ; لأنه صبغ خفيف فيه أدنى صفرة لا توجد منه رائحة .

وقال أبو يوسف في الإملاء : " لا ينبغي للمحرم أن يتوسد ثوبا مصبوغا بالزعفران ، ولا الورس ، ولا ينام عليه ; لأنه يصير مستعملا للطيب فكان كاللبس " .

التالي السابق


الخدمات العلمية