بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
ويحل للمحرم أكل صيد اصطاده الحلال لنفسه عند عامة العلماء وقال داود بن علي الأصفهاني لا يحل ، والمسألة مختلفة بين الصحابة رضي الله عنهم روي عن طلحة وعبيد الله وقتادة وجابر وعثمان في رواية أنه يحل وعن علي وابن عباس وعثمان في رواية لا يحل واحتج هؤلاء بقوله تعالى { وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما } أخبر أن صيد البر محرم على المحرم مطلقا من غير فصل بين أن يكون صيد المحرم أو الحلال .

وهكذا قال ابن عباس : إن الآية مبهمة لا يحل لك أن تصيده ولا أن تأكله وروي عن ابن عباس رضي الله عنه { أن الصعب بن جثامة أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لحم حمار وحش وهو بالأبواء أو بودان فرده فرأى النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه كراهة فقال : ليس بنا رد عليك ولكنا حرم وفي رواية قال : لولا أنا حرم لقبلناه منك } وعن زيد بن أرقم { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى المحرم عن لحم الصيد مطلقا } ولنا ما روي عن أبي قتادة رضي الله عنه { أنه كان حلالا وأصحابه محرمون فشد على حمار وحش فقتله فأكل منه بعض أصحابه وأبى البعض فسألوا عن ذلك رسول الله : صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هي طعمة أطعمكموها الله هل معكم من لحمه شيء ؟ } وعن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لحم صيد البر حلال لكم وأنتم حرم ما لم تصيدوه أو يصد لكم } وهذا نص في الباب ولا حجة لهم في الآية ; لأن فيها تحريم صيد البر لا تحريم لحم الصيد ، وهذا لحم الصيد وليس بصيد حقيقة ; لانعدام معنى الصيد وهو الامتناع والتوحش ، على أن الصيد في الحقيقة مصدر ، وإنما يطلق على المصيد مجازا .

وأما حديث الصعب بن جثامة فقد اختلفت الروايات فيه عن ابن عباس رضي الله عنه روي في بعضها " أنه أهدى إليه حمارا وحشيا " كذا روى مالك وسعيد بن جبير وغيرهما عن ابن عباس فلا يكون حجة ، وحديث زيد بن أرقم محمول على صيد صاده بنفسه أو غيره بأمره أو بإعانته أو بدلالته أو بإشارته عملا بالدلائل كلها ، وسواء صاده الحلال لنفسه أو للمحرم بعد أن لا يكون بأمره عندنا .

وقال الشافعي : ( إذا صاده له لا يحل له أكله ) واحتج بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { صيد البر حلال لكم وأنتم حرم ما لم تصيدوه أو يصاد لكم ، } ولا حجة له فيه ; لأنه لا يصير مصيدا له إلا بأمره وبه نقول والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية