( فصل ) :
ومنها التأبيد فلا يجوز .
النكاح المؤقت وهو نكاح المتعة وأنه نوعان : .
أحدهما : أن يكون بلفظ التمتع ، والثاني : أن يكون بلفظ النكاح والتزويج وما يقوم مقامهما .
أما الأول : فهو أن
يقول : أعطيك كذا على أن أتمتع منك يوما أو شهرا أو سنة ونحو ذلك ، وأنه باطل عند عامة العلماء .
وقال بعض الناس : هو جائز واحتجوا بظاهر قوله تعالى : {
فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة } والاستدلال بها من ثلاثة أوجه : أحدها : أنه ذكر الاستمتاع ولم يذكر النكاح ، والاستمتاع والتمتع واحد ، والثاني : أنه تعالى أمر بإيتاء الأجر ، وحقيقة الإجارة والمتعة عقد الإجارة على منفعة البضع والثالث : أنه تعالى أمر بإيتاء الأجر بعد الاستمتاع ، وذلك يكون في عقد الإجارة والمتعة ، فأما المهر فإنما يجب في النكاح بنفس العقد ويؤخذ الزوج بالمهر أولا ثم يمكن من الاستمتاع فدلت الآية الكريمة على جواز عقد المتعة ، ولنا الكتاب والسنة والإجماع والمعقول ، أما الكتاب الكريم فقوله عز وجل : {
والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم } حرم تعالى الجماع إلا بأحد شيئين ، والمتعة
[ ص: 273 ] ليست بنكاح ولا بملك يمين فيبقى التحريم ، والدليل على أنها ليست بنكاح أنها ترتفع من غير طلاق ولا فرقة ولا يجري التوارث بينهما ، فدل أنها ليست بنكاح فلم تكن هي زوجة له ، وقوله تعالى في آخر الآية : {
فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون } سمي مبتغي ما وراء ذلك عاديا ، فدل على حرمة الوطء بدون هذين الشيئين وقوله عز وجل : {
ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء } ، وكان ذلك منهم إجازة الإماء نهى الله عز وجل عن ذلك ، وسماه بغاء فدل على الحرمة .
وأما السنة فما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=18072نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الإنسية } وعن
سمرة الجهني رضي الله عنه {
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم فتح مكة } ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر أنه قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=38462نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن متعة النساء وعن لحوم الحمر الأهلية } .
وروي {
nindex.php?page=hadith&LINKID=6110أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قائما بين الركن والمقام ، وهو يقول : إني كنت أذنت لكم في المتعة فمن كان عنده شيء فليفارقه ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا فإن الله قد حرمها إلى يوم القيامة } وأما الإجماع فإن الأمة بأسرهم امتنعوا عن العمل بالمتعة مع ظهور الحاجة لهم إلى ذلك وأما المعقول فهو أن النكاح ما شرع لاقتضاء الشهوة بل لأغراض ومقاصد يتوسل به إليها ، واقتضاء الشهوة بالمتعة لا يقع وسيلة إلى المقاصد فلا يشرع .
وأما الآية الكريمة فمعنى قوله : {
فما استمتعتم به منهن } أي : في النكاح ; لأن المذكور في أول الآية وآخرها هو النكاح فإن الله تعالى ذكر أجناسا من المحرمات في أول الآية في النكاح ، وأباح ما وراءها بالنكاح بقوله عز وجل : {
: وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم } أي : بالنكاح ، وقوله تعالى : {
محصنين غير مسافحين } أي : غير متناكحين غير زانين .
وقال تعالى في سياق الآية الكريمة : {
ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات } ذكر النكاح لا الإجارة والمتعة ، فيصرف قوله تعالى : {
فما استمتعتم به } إلى الاستمتاع بالنكاح .
وأما قوله : سمى الواجب أجرا فنعم المهر في النكاح يسمى أجرا قال الله عز وجل : {
فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن } أي : مهورهن .
وقال سبحانه وتعالى : {
يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن } وقوله : أمر تعالى بإيتاء الأجر بعد الاستمتاع بهن ، والمهر يجب بنفس النكاح ويؤخذ قبل الاستمتاع قلنا : قد قيل : في الآية الكريمة تقديم وتأخير كأنه تعالى : قال : فآتوهن أجورهن إذا استمتعتم به منهن ، أي : إذا أردتم الاستمتاع بهن كقوله تعالى : {
يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن } أي : إذا أردتم تطليق النساء على أنه إن كان المراد من الآية الإجارة والمتعة فقد صارت منسوخة بما تلونا من الآيات ، وروينا من الأحاديث وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما أن قوله : {
فما استمتعتم به منهن } نسخه قوله - عز وجل - : {
يا أيها النبي إذا طلقتم النساء } وعن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : المتعة بالنساء منسوخة نسختها آية الطلاق ، والصداق والعدة والمواريث والحقوق التي يجب فيها النكاح ، أي : النكاح هو الذي تثبت به هذه الأشياء ولا يثبت شيء منها بالمتعة والله أعلم .
وأما الثاني : فهو أن
يقول : أتزوجك عشرة أيام ونحو ذلك وأنه فاسد عند
أصحابنا الثلاثة .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15922زفر : ( النكاح جائز ، وهو مؤبد والشرط باطل ) ، وروى
nindex.php?page=showalam&ids=14111الحسن بن زياد عن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة أنه قال إذا ذكرا من المدة مقدار ما يعيشان إلى تلك المدة ، فالنكاح باطل ، وإن ذكرا من المدة مقدار ما لا يعيشان إلى تلك المدة في الغالب يجوز النكاح كأنهما ذكرا الأبد ( وجه ) قوله : أنه ذكر النكاح وشرط فيه شرطا فاسدا ، والنكاح لا تبطله الشروط الفاسدة فبطل الشرط وبقي النكاح صحيحا كما إذا قال : تزوجتك إلى أن أطلقك إلى عشرة أيام .
( ولنا ) أنه لو جاز هذا العقد لكان لا يخلو ، إما أن يجوز مؤقتا بالمدة المذكورة وإما أن يجوز مؤبدا لا سبيل إلى الأول ; لأن هذا معنى المتعة إلا أنه عبر عنها بلفظ النكاح والتزوج ، والمعتبر في العقود معانيها لا الألفاظ كالكفالة بشرط براءة الأصيل إنها حوالة معنى لوجود الحوالة ، وإن لم يوجد لفظها والمتعة منسوخة ولا وجه للثاني ; لأن فيه استحقاق البضع عليها من غير رضاها ، وهذا لا يجوز .
وأما قوله : أتى بالنكاح ثم أدخل عليه شرطا فاسدا
[ ص: 274 ] فممنوع بل أتى بنكاح مؤقت ، والنكاح المؤقت نكاح متعة ، والمتعة منسوخة وصار هذا كالنكاح المضاف أنه لا يصح ، ولا يقال : يصح النكاح وتبطل الإضافة ; لأن المأتي به نكاح مضاف وأنه لا يصح كذا هذا بخلاف ما إذا قال : تزوجتك على أن أطلقك إلى عشرة أيام ; لأن هناك أبد النكاح ثم شرط قطع التأبيد بذكر الطلاق في النكاح المؤبد ; لأنه على أن " أن " كلمة شرط ، والنكاح المؤبد لا تبطله الشروط والله عز وجل أعلم .