( فصل ) :
ومنها
ولاية التأديب للزوج إذا لم تطعه فيما يلزم طاعته بأن كانت ناشزة ، فله أن يؤدبها لكن على الترتيب ، فيعظها أولا على الرفق واللين بأن يقول لها كوني من الصالحات القانتات الحافظات للغيب ولا تكوني من كذا وكذا ، فلعل تقبل الموعظة ، فتترك النشوز ، فإن نجعت فيها الموعظة ، ورجعت إلى الفراش وإلا هجرها .
وقيل يخوفها بالهجر أولا والاعتزال عنها ، وترك الجماع والمضاجعة ، فإن تركت وإلا هجرها لعل نفسها لا تحتمل الهجر ، ثم اختلف في
كيفية الهجر قيل يهجرها بأن لا يجامعها ، ولا يضاجعها على فراشه ، وقيل يهجرها بأن لا يكلمها في حال مضاجعته إياها لا أن يترك جماعها ومضاجعتها ; لأن ذلك حق مشترك بينهما ، فيكون في ذلك عليه من الضرر ما عليها ، فلا يؤدبها بما يضر بنفسه ، ويبطل حقه ، وقيل يهجرها بأن يفارقها في المضجع ، ويضاجع أخرى في حقها وقسمها ; لأن حقها عليه في القسم في حال الموافقة وحفظ حدود الله تعالى لا في حال التضييع وخوف النشوز والتنازع وقيل يهجرها بترك مضاجعتها ، وجماعها لوقت غلبة شهوتها ، وحاجتها لا في وقت حاجته إليها ; لأن هذا للتأديب والزجر ، فينبغي أن يؤدبها لا أن يؤدب نفسه بامتناعه عن المضاجعة في حال حاجته إليها ، فإذا هجرها ، فإن تركت النشوز ، وإلا ضربها عند ذلك ضربا غير مبرح ، ولا شائن ، والأصل فيه قوله عز وجل {
واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن } ، فظاهر الآية وإن كان بحرف الواو الموضوعة للجمع المطلق لكن المراد منه الجمع على سبيل الترتيب ، والواو تحتمل ذلك ، فإن نفع الضرب ، وإلا رفع الأمر إلى القاضي ليوجه إليهما حكمين حكما من أهله ، وحكما من أهلها كما قال الله تعالى : {
وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما } ، وسبيل هذا سبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حق سائر الناس أن الآمر يبدأ بالموعظة على الرفق واللين دون التغليظ في القول ، فإن قبلت ، وإلا غلظ القول به ، فإن قبلت ، وإلا بسط يده فيه ، وكذلك
إذا ارتكبت محظورا سوى النشوز ليس فيه حد مقدر ، فللزوج أن يؤدبها تعزيرا لها ; لأن للزوج أن يعزر زوجته كما للمولى أن يعزر مملوكه .