( وأما ) .
اليمين
بغير القرب فهي الحلف بالطلاق والعتاق فلا بد من .
بيان ركنه وبيان شرائط الركن وبيان حكمه وبيان ما يبطل به الركن ، أما الركن فهو ذكر شرط وجزاء مربوط بالشرط معلق به في قدر الحاجة إلى معرفة المسمى بالشرط والجزاء ومعرفة معناهما ، أما المسمى بالشرط فما دخل فيه حرف من حروف الشرط وهي إن وإذا ، وإذ ما ، ومتى ، ومتى ما ومهما وأشياء أخر ذكرها أهل النحو واللغة .
وأصل حروفه أن الخفيفة وغيرها داخل عليها لأنها لا تستعمل إلا في الشرط وما سواها من الحروف يستعمل فيه وفي غيره وهو الوقت وهذا أمارة الأصالة والتبعية .
وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=15071الكرخي مع هذه الحروف كلما وعدها من حروف الشرط ، وإنها ليست بشرط في الحقيقة فإن أهل اللغة لم يعدوها من حروف الشرط لكن فيها معنى الشرط وهو توقف الحكم على وجود ما دخلت عليه لذلك سماه شرطا ، وفي قوله كل امرأة أتزوجها فهي طالق ، وقوله كل عبد اشتريته فهو حر إنما توقف الطلاق والعتاق على الزواج والشراء لا على طريق التعليق بالشرط بل لأنه أوقع الطلاق والعتاق على امرأة متصفة بأنه تزوجها وعلى عبد متصف بأنه اشتراه ويحصل الاتصاف بذلك عند التزوج والشراء .
وأما معنى الشرط فهو العلامة ومنه أشراط الساعة أي علاماتها ، ومنه الشرطي والشراط والمشرط فسمي ما جعله الحالف علما لنزول الجزاء شرطا حتى لو ذكره لمقصود آخر لا يكون شرطا على ما نذكر - إن شاء الله تعالى - .
وأما المسمى بالجزاء فما دخل فيه حرف التعليق وهي حرف الفاء إذا كان متأخرا في الذكر عن الشرط كقوله إن دخلت الدار فأنت طالق .
فأما إذا كان الجزاء متقدما فلا حاجة إلى حرف الفاء بل يتعلق بالشرط بدون حرف التعليق لأنه قد يعقب قوله أنت طالق ما يبين أنه يمين فيخرج به من أن يكون تطليقا إلى كونه يمينا وتعليقا فلا حاجة في مثل هذا إلى حرف التعليق بخلاف حروف الشرط فإنها لازمة للشرط سواء تقدم ذكرها على الجزاء أو تأخر وإنما اختصت الفاء بالجزاء ; لأنها حرف يقتضي التعقيب من غير تراخ كقول القائل جاءني زيد فعمرو والجزاء يتعقب الشرط بلا تراخ وأما معنى الجزاء فجزاء الشرط ما علق بالشرط ثم قد يكون مانعا من تحصيل الشرط إذا كان الشرط مرغوبا عنه لوقاحة عاقبته ، وقد يكون حاملا على تحصيله لحسن عاقبته لكن الحمل والمنع من الأغراض المطلوبة من اليمين ومن ثمراتها بمنزلة الربح بالبيع والولد بالنكاح فانعدامهما لا يخرج التصرف عن كونه يمينا كانعدام الربح في البيع والولد في النكاح لأن وجود التصرف بوجود ركنه ، لا لحصول المقصود منه كوجود البيع والنكاح وغيرهما ،
[ ص: 22 ] وركن اليمين هما الشرط والجزاء فإذا وجد كان التصرف يمينا ولأن المرجع في معرفة الأسامي إلى أهل اللغة وأنهم يسمون الشرط والجزاء يمينا من غير مراعاة معنى الحمل والمنع دل أن ذلك ليس بشرط لوقوع التصرف يمينا ، وبيان هذه الجملة في مسائل : إذا قال لامرأته إن دخلت الدار فأنت طالق أو قال لعبده إن دخلت الدار فأنت حر أو .
وقال إذا أو إذا ما أو متى أو متى ما أو حيثما أو مهما كان يمينا لوجود الشرط والجزاء حتى لو حلف لا يحلف فقال ذلك يحنث ، ولو قال أنت طالق غدا أو رأس شهر كذا لا يكون يمينا لانعدام حروف الشرط بل هو إضافة الطلاق إلى الغد والشهر لأنه جعل الغد والشهر ظرفا لوقوع الطلاق لأن معناه في غد وفي شهر ولا يكون ذلك ظرفا لوقوع الطلاق إلا بوقوع الطلاق ولو
قال إذا جاء غد فأنت طالق أو قال إذا مضى غد أو إذا جاء رمضان أو إذا ذهب رمضان أو إذا طلعت الشمس أو غربت كان يمينا عند أصحابنا ، وعند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي لا يكون يمينا لانعدام معنى اليمين وهو المنع أو الحمل إذ لا يقدر الحالف على الامتناع من مجيء الغد ولا على الإتيان به فلم يكن يمينا بخلاف دخول الدار وكلام زيد ، ولأن الشرط ما في وجوده في المستقبل خطر وهو أن يكون فيما يجوز أن يوجد ويجوز أن لا يوجد ، والغد يأتي لا محالة فلا يصلح شرطا فلم يكن يمينا .
( ولنا ) أنه وجد ذكر شرط وجزاء معلق بالشرط فكان يمينا ، ومعنى المنع أو الحمل من أغراض اليمين وثمراتها ، وحقائق الأسامي تتبع حصول المسميات بذواتها وذلك بأركانها لا بمقاصدها المطلوبة منها على ما بينا - والله عز وجل الموفق - وأما قوله : إن الشرط ما في وجوده في المستقبل خطر وهو أن يكون مما يجوز أن يوجد ويجوز أن لا يوجد ، والغد يأتي لا محالة فالجواب عنه من وجهين أحدهما ممنوع أن هذا من شرط كونه شرطا بل من شرط أن يكون جائز الوجود في المستقبل ، ونعني به أن لا يكون مستحيل الوجود وقد وجد ههنا فكان التصرف يمينا على أن جواز العدم إن كان شرطا فهو موجود ههنا لأن مجيء الغد ونحوه ليس مستحيل العدم حقيقة لجواز قيام الساعة في كل لمحة كما قال - تعالى - {
وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب } وهذا لأن الساعة وإن كان لها شرائط لا تقوم إلا بعد وجودها ولم يوجد شيء من ذلك في يومنا هذا فيقع الأمن عن قيام الساعة قبل مجيء الغد ونحو ذلك لكن هذا يوجب الأمن عن القيام ، إما لا يمنع تصور القيام في نفسه لأن خبر الصادق عن امرأته لا يوجد يقتضي أنه لا يوجد ، إما لا يقتضي أن لا يتصور وجوده في نفسه حقيقة ولهذا قلنا إن خلاف المعلوم مقدور العبد حتى يتعلق به التكليف وإن كان لا يوجد فكان مجيء الغد جائز العدم في نفسه لا مستحيل العدم فكان شرط كونه شرطا وهو جواز العدم حقيقة موجودا فكان يمينا ، ولو قال لامرأته أنت طالق إن شئت أو أردت أو أحببت أو رضيت أو هويت لم يكن يمينا حتى لو كان حلف لا يحلف - لا يحنث بهذه المقالة لما ذكرنا أن الشرط معناه العلامة وهو ما جعله الحالف علما لنزول الجزاء ، والحالف ههنا ما جعل قوله إن شئت علما لوقوع الطلاق بل جعله لتمليك الطلاق منها كأنه قال ملكتك طلاقك ، أو قال لها اختاري أو أمرك بيدك .
ألا ترى أنه اقتصر على المجلس ؟ وما جعل علما لوقوع الطلاق لا يقتصر على المجلس كقوله أنت طالق إن دخلت الدار أو إن كلمت فلانا وهذا لأن العلم المحض ما يدل على حصول الطلاق فحسب فأما ما يتعلق وجوده به فإنه لا يكون علما بل يكون علة لحصوله ، والمشيئة مما يحصل به الطلاق بدليل أن الزوج لو قال لزوجته إن شئت طلاقك فطلقي وإذا لم يوجد معنى الشرط لم تكن المشيئة المذكورة شرطا فلم يوجد أحد ركني اليمين وهو الشرط فلم توجد اليمين فلا يحنث ، وكذلك لو قال لها أنت طالق إن شئت أنا لم يكن يمينا حتى لا يحنث في يمينه إذا حلف لا يحلف .