( ومنها )
أن لا يدخل بين الشرط والجزاء حائل ، فإذا دخل لم يكن يمينا وتعليقا بل يكون تنجيزا وعلى هذا يخرج إدخال النداء في وسط الكلامين أنه يكون فاصلا مانعا من التعليق أولا وجملة الكلام فيه أن النداء أنواع ثلاثة نداء بالقذف بأن يقول يا زانية ، ونداء بالطلاق بأن يقول يا طالق ، ونداء بالعلم بأن يقول يا زينب أو يا عمرة ، وكل واحد من الأنواع الثلاثة على ثلاثة أوجه إما أن ذكر النداء في أول الكلام وإما أن ذكره في أوسطه وإما أن ذكره في آخره وكل ذلك ينقسم إلى قسمين إما أن علق بشرط وهو دخول الدار ونحوه وإما أن نجز وأدخل فيه الاستثناء فقال إن شاء الله تعالى أما النداء بالقذف إذا ذكره في أول التعليق بالشرط لا يمنع من التعليق ويكون قذفا صحيحا بأن
قال لامرأته يا زانية أنت طالق إن دخلت الدار .
لأن قوله يا زانية وإن كان موضوعا للنداء لكنه وصف لها بالزنا من حيث المعنى لأنه اسم مشتق من حيث المعنى وهو الزنا والاسم المشتق من معنى يقتضي وجود ذلك المعنى لا محالة كسائر الأسماء المشتقة من المعاني من المتحرك والساكن ونحو ذلك سواء كان الاسم موضوعا للنداء أو غيره فصار بوصفه إياها بالزنا ونسبة الزنا إليها قاذفا لها بالزنا وهي زوجته وموجب قذف الزوجات اللعان عند استجماع شرائط اللعان ثم صار معلقا طلاقها بدخول الدار بقوله أنت طالق إن دخلت الدار فيتعلق به وهذا لأنه ناداها لتتنبه لسماع كلامه فلما تنبهت خاطبها باليمين وهي تعليق طلاقها بدخول الدار وكذا لو قال يا زانية أنت طالق إن شاء الله تعالى صار قاذفا لما قلنا ولا يقع الطلاق لدخول الاستثناء فيه .
ولو بدأ بالنداء في الطلاق
فقال يا طالق أنت طالق إن دخلت الدار وقع الطلاق بقوله يا طالق لأنه وصفها بالطلاق فيقتضي تقدم ثبوت الطلاق على وصفه إياها لضرورة صحة الوصف وتعلق طلاق آخر بدخول الدار لما ذكرنا في الفصل الأول ، وكذا لو
قال يا طالق أنت طالق إن شاء الله - تعالى - يقع الطلاق بقوله يا طالق ولم يقع الثاني لدخول الاستثناء عليه ، ولو بدأ بالنداء بالعلم
فقال يا عمرة أنت طالق إن دخلت الدار لا يقع شيء وتعلق الطلاق بالدخول لأنه بندائه إياها بالعلم نبهها على سماع كلامه ثم علق طلاقها بالدخول .
وكذا لو
قال يا عمرة أنت طالق يا عمرة إن شاء الله - تعالى - لا يقع شيء لما ذكرنا ، هذا إذا بدأ بالنداء إما بالقذف أو بالطلاق أو بالعلم ، .
فأما إذا أتى بالنداء في وسط الكلام في التعليق بالشرط بأن
قال لها أنت طالق يا زانية إن دخلت الدار ، فقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=13234ابن سماعة عن
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد أنه لا يصير فاصلا ويتعلق الطلاق بدخول الدار ويصير قاذفا ويجب اللعان ، وكان
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف يقول بهذا القول ثم رجع .
وقال يقع الطلاق للحال ولا يصير قاذفا حتى لا يجب اللعان .
وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد في الجامع أن الطلاق يتعلق بدخول الدار ولا يصير النداء فاصلا بين الشرط والجزاء مانعا من التعليق ، ولا يصير قاذفا ولا يجب اللعان .
قال المشايخ : ما ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=13234ابن سماعة عن
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد هو قوله الأخير ، وما ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد في الجامع قول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ، فحصل في المسألة ثلاثة أقوال على قول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة تعلق القذف وبطل في نفسه وتعلق الطلاق ، وعلى قول
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد تعلق الطلاق ولم يتعلق القذف بل تحقق للحال ، وعلى قول
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف تعلق القذف فبطل في نفسه ولم يتعلق الطلاق بل تنجز .
( وجه ) قول
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف أنه لما ذكر قوله إن دخلت الدار عقيب قوله يا زانية فقد علق القذف بالشرط ، والقذف لا يتعلق بالشرط لأنه وصف الشخص بالزنا كقوله قائمة وقاعدة أنه وصفها بالقيام والقعود ووصف الشيء بصفة يكون إخبارا عن وجود الصفة فيه والإخبار مما لا يتعلق بالشرط حتى يكون صادقا عند وجوده كاذبا عند عدمه أو مخبرا عند وجوده غير مخبر عند عدمه ، وإذا لم يتعلق صار لغوا فصار حائلا بين الشرط والجزاء فينزل الجزاء ، لكن مع هذا لا يصير قاذفا لأنه قصد تعليق القذف بالشرط ومن قصد تعليق شيء بشرط لا يكون مثبتا له في الحال فلم يصر قاذفا ، وعند وجود الشرط لا يصير قاذفا أيضا لأنه لم يتعلق به حتى ينزل عند وجوده .
( وجه ) ما روى
nindex.php?page=showalam&ids=13234ابن سماعة عن
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد أن قوله يا زانية وإن لم يتعلق ولكنه مع هذا لا يصير لغوا لأنه لتأكيد الخطاب الموجود بقوله أنت طالق فصار مؤكدا لباب الخطاب فالتحق به فصار كأنه قال أنت يا زانية إن دخلت الدار طالق
[ ص: 29 ] فتعلق الطلاق بالدخول وبقي القذف متحققا ألا ترى أنه لو قال أنت طالق يا عمرة إن دخلت الدار صح التعليق ؟ ولم يصر قوله يا عمرة فاصلا كذا ههنا .
( وجه ) قول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة : إن تعليق الطلاق بالشرط قد صح لما مر في كلام
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد والقذف لم يتحقق لأنه ذكر عقيبه الشرط ، والقذف متى علق بالشرط لا يقصد الإنسان تحقيقه للحال واليا بعد وجود الشرط على ما مر ، وكان
القاضي الجليل يقول تعليق القذف بالشرط يكون تبعيدا للقذف كما يقول الرجل إن فعلت كذا فامرأته زانية أو أمه زانية يريد بذلك تبعيد الفعل ولن يتحقق تبعيد الفعل إلا بتبعيد الاتصاف بالزنا عن أمه وامرأته وبمثل هذا يحصل الوصف بالإحصان دون الوصف بالزنا وإلحاق العار به - والله عز وجل أعلم - وكذا لو قال أنت طالق يا زانية إن شاء الله تعالى فهو على هذا الخلاف ، ولو كان النداء بالطلاق بأن
قال أنت طالق يا طالق إن دخلت الدار هذا أيضا على الخلاف بين
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد إلا أن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبا حنيفة يفرق بين هذا وبين النداء بالزنا بقوله يا زانية ويقول يقع الطلاق منجزا بقوله أنت طالق ولا يتعلق بدخول الدار ويصير كقوله يا طالق فاصلا ، ووجه الفرق أن قوله يا طالق وإن كان نداء فهو إيقاع الطلاق فكان قوله أنت طالق يا طالق إيقاعا عقيب إيقاع من غير عطف البعض على البعض والشرط اتصل بآخر الإيقاعين دون الأول منهما فبقي الأول تنجيزا بخلاف قوله يا زانية فإنه نداء وتأكيد لما تقدم من تاء الخطاب لا إيقاع فلم يتعلق به فلم يصر حائلا فلم يمنع من تعلق الشرط بالجزاء ، ولو قال أنت طالق يا طالق إن شاء الله هذا أيضا على ما ذكرنا من الخلاف بينهم والفرق
nindex.php?page=showalam&ids=11990لأبي حنيفة بين هذا وبين قوله أنت طالق يا زانية إن شاء الله ولو كان النداء بالعلم بأن قال أنت طالق يا عمرة إن دخلت الدار فههنا يتعلق الطلاق بالشرط بالإجماع
nindex.php?page=showalam&ids=14954وأبو يوسف يحتاج إلى الفرق بين هذا وبين قوله يا زانية ، والفرق أن قوله يا عمرة لا يفيد إلا ما يفيده قوله أنت فكان تأكيدا له فالتحق به فلم يصر فاصلا .
( وأما ) قوله يا زانية ففيه زيادة أمر لا تفيده تاء الخطاب وهو إثبات وصف الزنا ويتعلق به شرعا حكم وهو الحد أو اللعان في الجملة فلا يمكن أن يجعل تكرارا للتاء الموضوعة للخطاب فكان معتبرا في نفسه فلم يصر ملتحقا بتاء الخطاب فبقي فاصلا ، .
فأما فيما نحن فيه بخلافه على ما مر ، ولو قال أنت طالق يا عمرة إن شاء الله لا يقع الطلاق لما مر ، هذا إذا أتى بالنداء في أول الكلام أو وسطه ، .
فأما إذا أتى به في آخر الكلام أما في النداء بالزنا بأن
قال أنت طالق إن دخلت الدار يا زانية فإن الطلاق يتعلق بالدخول لأنه علق الطلاق بالدخول ثم ناداها بعد ذلك فصار قاذفا ولم يوجد بعد القذف شرط ليقال أنه قصد تعليق القذف بعد تحقيقه .
وكذا في قوله أنت طالق إن شاء الله يا زانية بطل الطلاق وتحقق القذف ، وفي قوله أنت طالق إن دخلت الدار يا طالق تعلق الأول بالدخول ووقع بقوله يا طالق طلاق لدخول الشرط في الأول دون قوله يا طالق .
وكذا لو
قال أنت طالق إن شاء الله يا طالق .
وكذا قوله أنت طالق إن دخلت الدار يا عمرة ، فهذا رجل علق الطلاق بدخول الدار ثم ناداها ونبهها بالنداء على اليمين والخطاب فصح التعليق وكذا لو قال أنت طالق إن شاء الله يا عمرة لا يقع شيء لما مر .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة .
ولو
قال لامرأته ولم يدخل بها أنت طالق يا زانية ثلاثا فهي ثلاث ولا حد ولا لعان .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف هي طالق واحدة وعليه الحد
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة لم يفرق بين المدخول بها وغير المدخول بها لأن قوله يا زانية نداء فلا يفصل بين العدد وهو قوله ثلاثا وبين أصل الإيقاع وهو قوله أنت طالق وإذا لم يفصل فيوقف الوقوع على آخر الكلام وهو قوله ثلاثا فتبين فلا يمكن إلحاق اللعان بعد البينونة
nindex.php?page=showalam&ids=14954وأبو يوسف يقول : إن قوله يا زانية يفصل بين الإيقاع والعدد فبانت بقوله أنت طالق فصادفها قوله يا زانية وهي أجنبية فيجب عليه الحد ويلغو قوله ثلاثا قال
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف ولا يشبه هذا المدخول بها إذا قال لها أنت طالق يا زانية ثلاثا أنها تبين بثلاث ولا حد ولا لعان لأنا وإن اعتبرنا قوله يا زانية فاصلا فإنه لا يمنع إلحاق الثلاث به ، فإنه
لو قال لها أنت طالق وسكت فقيل له كم ؟ فقال : ثلاثا فكذا إذا فصل بقوله يا زانية .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=14954وأبو يوسف إذا
قال لها قبل الدخول بها أنت طالق ثلاثا أو قال أنت طالق إن دخلت الدار فماتت بعد قوله أنت طالق قبل قوله إن دخلت الدار فهذا باطل لا يلزمه طلاق لأن العدد إذا قرن بالتطليق كان الواقع هو العدد وهي عند ذلك ليست بمحل لوقوع الطلاق عليها ، والشرط إذا لحق بآخر الكلام يتوقف أول الكلام
[ ص: 30 ] على آخره ولا يفصل آخر الكلام عن أوله وقد حصل آخر الكلام وهي أجنبية .
ولو
قال أنت طالق ثلاثا يا عمرة فماتت قبل أن يقول يا عمرة فالطلاق لازم لأن قوله يا عمرة نداء ليس بشرط ولا عدد يتوقف الوقوع عليه فلا يتوقف والله - عز وجل - أعلم - .